الحُبُّ نساجٌ من نور
الحُبُّ نساجٌ من نور
“إذا كانَ حُبُّ الهائمين من الورى بليلَى وسلَمى يسلبُ اللُّبَّ والعقلا.
فماذا عسى أن يفعَل الهائمُ الذي سَرى قلبُهُ شوقًا إلى الملأ الأعلى!”.
إن وحشة الدُّنيا تطيب إذا أُنِس فيها قلبُ المرءِ بالحُبِّ، ويُذهِب هذه الوحشة، ويُسرِّي عن النفوس حبُّ الله (عز وجل)، فهو أجلٌ حبٍّ وأسماه، والذي هو وقودُ الزُّهِد، والإخبات، والعِبادة، والإنابة، وجمال الشمائل، وقد تجسَّد هذا الحب في نفس فاطمة الصدِّيقة (رضي الله عنها) بأكمل ما يكون حين بشَّرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنها أوَّل اللاحقين به من أهلِه، وعلى الرغم من أنه في ظاهِر الأمر خبرٌ بدنو الموت، لا يكون فيه بُشرى، أو إيذانٌ بالسعادة والضحِك، غير أن هذا الخبر هو سبب سعادتها، ورضاها، وثبات قلبها في وقت احتضار نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلَّم)، ولا عجب! فهي ابنة أمِّنا خديجة (رضي الله عنها)، وابنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي لم يكن في بيتهما مجالٌ للَّهث خلف الدُّنيا، وإنما سعيٌ حثيثٌ في إرضاءِ الله، والوصول المُكلَّل بالهناء إلى الآخرة، وفي لفتةٍ لحالِ أمنا خديجة (رضي الله عنها) يتبيَّنُ ما للأبناء من نصيب من حالِ الأمهات، عُرفت أمنا خديجة (رضي الله عنها) بالطاهرة في الجاهليَّة حتى قبل الإسلام، وكذلك كانت بعده (رضي الله عنها)، وتم لها شرفها بزواجها من نبيِّ الله (صلى الله عليه وسلم) وهي ابنه ثمانٍ وعشرين عامًا (برواية ابن عباس رضي الله عنهما)، وأنجبت له جميع أبنائه، وعاش معها ضعف ما عاشه مع غيرها من زوجاته (رضوان الله عليهن جميعًا)، ولم يتزوج معها أحد، ملأت في هذه المدة بيت النبوَّة حنانًا، وجمالًا، وتأييدًا، وتثبيتًا، وصبرًا، فكانت مثالًا حيًّا لمعنى النُّصرة ما سبقها ولا تلاها بعدها من أحد، حتى أنه بعد وفاتها (رضي الله عنها) ظلَّ يذكر محامدها، ومناقبها، ويكرِّرها إلى آخر عمرهِ الطاهر (صلى الله عليه وسلم).
الفكرة من كتاب الصدِّيقتان: مُدارسات في تجلِّيات الاصطفاء للصدِّيقتين فاطمة وعائشة (رضي الله عنهما)
لقد منَّ الله على العالمين بالدين الحنيف، الذي عرَّج بالعباد من غياهِب وظُلمات الأرض، إلى رحابة ونور السماء، ومن دنس الشرك إلى طُهر الإيمان، وإن البيت النبوي مثال كامِلٌ أخَّاذ لِأثر الإيمان العميق في نفوس أهلِه، وكيف تشكَّلت شخوصهم في رحاب الطُّهر، وسويَّة الأنفس، وجمال إيمانها، وقد سطع نجمانِ في سماء بيت النبوَّة، كانتا تجسيدًا لِصدقِ المحبَّة، وصِدق الإيمان، وصِدق الاتِّباع، حتى أنَّهما لشدة صدقيهما استحقَّتا أن تُلقَّبا بالصدِّيقتين، وهذا الكِتاب إنما هو عرضٌ للجماليَّات، واستقراءٌ في أسابِ النوالِ، والرِّفعة، والشرف.
مؤلف كتاب الصدِّيقتان: مُدارسات في تجلِّيات الاصطفاء للصدِّيقتين فاطمة وعائشة (رضي الله عنهما)
وجدان العلي: سيد بن علي عبد المعين، مصري، وُلِد في الحادي عشر من يونيو لعام 1979م، حصل على ليسانس اللغة العربية كُلية الآداب، جامعة القاهرة، شاعرٌ، وأديبٌ، ومُحقِّق في التراث الإسلامي، وعمل بمجال الدعوة، وامتدَّ نسبه إلى علَّامة اللغة العربية محمود محمَّد شاكر المُلقَّب بأبي فهر، والذي تأثَّر به ولازمه أكثر من خمس سنوات، له من المؤلَّفات “صادق بكَّة”، و”ظِلُّ النديم“، وزخرت الشبكة العنكبوتيَّة بالعديد من مقالاته المتنوِّعة.