الحيرة بين الصدق واختلاق الأعذار
الحيرة بين الصدق واختلاق الأعذار
لما سمع كعب بن مالك (رضي الله عنه) بقدوم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شغل خاطره التخلُّف عن الغزوة، فاستولى الشيطان على تفكيره وجمَّل في عينيه الكذب لنيل رضا النبي (صلى الله عليه وسلم) فبدأ يسأل عما يمكن أن يقوله اعتذارًا لتخلُّفه عن غزوة تبوك، وما إن أقبل النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى أعرض عن ذلك مدركًا أنه لن يخفى على من يأتيه خبر السماء كذب الناس عليه، ويوضح لنا هذا الموقف أهمية ألا يتخذ الإنسان قراراته حال الخوف الشديد أو الانفعالات العاطفية الشديد عمومًا لتأثيرها في صناعة القرارات.
وفي مقابل إيثار الصحابي كعب بن مالك (رضي الله تعالى) عنه للصدق فقد كان هناك فئة شرعت تعتذر إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقبل منهم النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يطعن في سرائرهم بل وكَّلها إلى الملك الحق سبحانه، ونتعلم من ذلك ألا يدفعنا التقصير في العمل إلى اختلاق الأعذار وتسويغ المبررات أو التعلق بالحيل حتى لو لم يكن ذلك مرضيًا للناس، وأن الصدق أيسر الطرق وأعلاها قدرًا وأحفظها للود والعلاقات الإنسانية حيث تتفكَّك هذه الروابط والعلاقات بالكذب كما يتكلَّف الإنسان جهدًا ووقتًا لإيجاد المبرِّرات.
عادت الحيرة إلى كعب بن مالك (رضي الله عنه) مرة أخرى حتى بعد أن جلس بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأخبره بما كان وأنه ما من عذر له لا سيما بعد أخذ بعض الناس عليه عدم الاعتذار والاعتماد على استغفار النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى أنه فكر في الرجوع وتكذيب ما كان قد قاله، ولكن ما لبث أن ثبت على الصدق، وبخاصةٍ أنه استأنس بوجود اثنين من الصحابة لقيا ما لقيَ، وهما: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبيع العَمْرِي، وهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفيُّ.
الفكرة من كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
تشتد الأزمات والصعاب على نفس الإنسان، ولربما كان اليأس أقرب إليه من شِراك نعله مع تجذُّر الهشاشة النفسية في النفوس حاليًّا، وقد يهرب الناس من الصدق إلى الكذب فرارًا من عواقب الصدق دون اعتبار لقيمة الصدق ومحاسن عواقبه الأخرى، وقد يجد بعضهم في المصائب كل الشر وأنه ما من خير فيها قط، وبعضهم يُقعِده الخطأ عن مواصلة المسير، ولو عددنا ما يعتري الإنسان في مواجهة الصعاب لاحتاج ذلك إلى مجلدات، ولكننا في هذا الكتاب نجد تجربة عجيبة للصحابي كعب بن مالك (رضي الله عنه) حدَّث بها كيف بدأت؟ وإلى أي شيء انتهت؟ وقد نُقِلت إلينا لنستفيد منها ونتعلَّم الدروس.
مؤلف كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية بالسعودية، وشغل منصب وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم، ووكيل مركز الدعوة وعميد شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية.
ومن مؤلفاته: “مشاهدات في بلاد البخاري”، و”أعذار المتقاعسين”، و”أليس في أخلاقنا كفاية”.