الحوار واختلاف وجهات النظر
الحوار واختلاف وجهات النظر
هناك فرضية تقول إنه قد يكون للعالم وجوهٌ أخرى، جوانب أخرى لم نعرف عنها، أو لم نعلم أننا لم نعرف عنها، مثل قصة سكان الكهف الذين كانوا يسكنون الكهف وظهورهم لفتحة الكهف، فكانوا لا يعرفون عن العالم الخارجي سوى الظلال المتحرِّكة على حائط الكهف، حتى تجرَّأ أحدهم وخرج، وعلم أن هناك أبعادًا أخرى للصور والأجسام، وأنها ليست مسطَّحة كالظلال، وبتطبيق هذه الفرضية على المعرفة العلمية؛ فدائمًا ما يكون هناك احتمالية وجود تصوُّرات مُناقضة لما نعتقد، ولا يشترط تناقض أو محاربة التصورات بعضها وبعض، بل ربما يكون أحدها أنضج من الآخر، أو مكملًا لها، وفتح المجال لها لتتكامل وتتضافر يُعطينا صورًا أكثر اتساعًا وشمولًا للعالم ومعانيه المتعدِّدة.
ومن أهم وسائل تبادل التصوُّرات ووجهات النظر والأفكار، هو الحوار، الحوار الصحِّي البنَّاء الذي يكون حالة ديناميكية من التفاعل بين الأطراف المختلفة، يؤثر كل منهم في الآخر بسلاسة وتقبُّل، أمَّا الحوار المُحصَّن بالخوف والجمود واليقين الرافض لإمكانية الشك في صحة ما أعتقد، فهو حوار باهت، لا تنتج عنه أفكار مُبدعة أو إثراء فكري، لذا وجب أن ندرك أهمية الحوار واحترام وجهات النظر المُغايرة، والتي قد تضيف إلينا أبعادًا فكرية لم يسبق لنا الخوض فيها، وتفتح لنا نوافذ بصرية لم ننظر من خلالها من قبل، لكنَّ تأكيد الاختلافات والتفاوتات في النظر، لا يعني أن الرؤى كلها متساوية، أو أنه يشرع في الدفاع عن وجهات نظر باطلة بدافع حرية الاختلاف، بل هو تأكيد لقيمة الحوار والتساؤل ومراجعة الذات قبل تحصينها باليقين المُطلق.
ويترادف هذا المنطق مع منطق التحزُّب والانتماء إلى جماعة ما، وتبنِّي أفكارها والسير على نهجها، ولا مانع في ذلك، لكن الكاتب يرى أن ذلك يعطِّل من سلوك الفرد، ويؤثر في مصداقية مواقفه المختلفة، فلو أننا قارنَّا ردود فعله على المواقف نفسها أثناء انتمائه إلى الجماعة وأثناء انفصاله عنها، سنجد تبايُنًا واضحًا، ليس نفاقًا أو تهميشًا لشخصه ورأيه، وإنما يندفع الفرد بفعل التلقين وحماس الجماعة إلى أمور ربما لو وزنها بميزانه الخاص لأعرض عنها، وقليل هم من تكون ذواتهم حاضرة أثناء الانتماء إلى فصيلٍ ما، يتساءلون عن كل الخطوات قبل أخذها، ويتيحون لأنفسهم تجربة كل الطرق، بدلًا من سلوك الطريق المرسوم دون النظر في الخريطة.
الفكرة من كتاب الفأر في المتاهة
هذا الكتاب هو كتاب أدبي تأمُّلي، يضم مجموعة من المقالات المتفرقة التي يسعى الكاتب من خلالها للربط بين الكتابة والعالم باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، فيتحدَّث في كل مقال عن موضوعات ونظريات مختلفة، ويلتقط صورًا كونية متفرِّقة، وفي النهاية يربط بينها وبين الكتابة بصورة مذهلة، وهو يقول: أظن أنني في هذا الكتاب أضع الكتابة في مركز اهتمامي، أنظر إليها حتى عندما أكون في سياق الحديث عن موضوعات منفصلة ظاهريًّا عنها.
مؤلف كتاب الفأر في المتاهة
أحمد عبده الحضري: كاتب وشاعر مصري، وُلد بمحافظة الشرقية عام 1978، تخرَّج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1998م، وهو التاريخ الذي ذيَّل به كل قصائده في ديوانه الأول “اقفل عليك الحلم” ديوان بالعامية المصرية، والذي حظي بقبولٍ وترحيبٍ شديدين، وكان أول مَن احتفى به الشاعر “جمال بخيت”، وقد أهدى الحضري آخر قصائد ديوانه للشاعر الكبير “فؤاد حدَّاد”.
انضم الشاعر أحمد الحضري إلى جماعة المغامير الأدبية وأضفى عليها طابعًا أدبيًّا جديدًا، وكثرت أمسياتها وفعالياتها الأدبية بعد انضمامه، وأنشأ مدوَّنة أدبية سماها “برد”، ينشر فيها قصائده الشعرية ومقالاته الأدبية عن الكتابة، والسينما، والشأن العام، والفضاء الإلكتروني وغيرها من الأمور.
نشر الحضري أشعارًا كثيرة في عدة مجلات وجرائد مصرية مثل جريدة الدستور، ومجلة صباح الخير، وهو بصدد نشر ديوانَيْن جديدَيْن؛ الأول بالعامية المصرية بعنوان “حِجَّة مش أكتر”، والآخَر بالعربية الفصحى “كافُ التشبيه”، وفي الكتب النثرية صدر له كتاب واحد وهو هذا الكتاب: الفأر في المتاهة.