الحملة الفرنسية وإبادة نهضة الإسلام
الحملة الفرنسية وإبادة نهضة الإسلام
هناك خمسة علماء أيقظوا الجماهير من غفلتها، وهم عبد القادر بن عمر البغدادي صاحب خزانة الأدب، ومحمد بن عبد الوهاب، وحسن بن إبراهيم الجبرتي “الكبير” العقيلي، ومحمد بن عبد الرزاق الحسيني المرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس، ومحمد بن علي الخولاني الشوكاني الزيدي.
وخشيت أوروبا أن تقوم نهضة في قلب العالم الإسلامي كما قامت نهضتهم، فعملت على محاصرتهم ووأد يقظتهم، فأسرعت إنجلترا إلى سواحل الجزيرة العربية لإخماد صحوة ابن عبد الوهاب، ثم كان دور الاستشراق الفرنسي في إخماد يقظة الديار المصرية، وذلك عن طريق “نابليون” الذي هوى على مهد اليقظة ووضع خطة محكمة تتضمَّن إقناع المشايخ أن هدف الحملة الفرنسية هو محاربة المماليك وظلمهم، وإثارة المسيحيين ضد المسلمين، وتدجين العلماء، وتفقير الشعب، وسرقة الثروة الفكرية والثقافية لبلاد المسلمين.
قبل مجيء الحملة الفرنسية كان المستشرقون قد توغَّلوا في داخل بلاد المسلمين، بغرض التعرُّف على كل خصائصها ومعالمها، وذلك في غفلة من أبنائها في عهد المماليك، وكان للمستشرقين دور كبير قي تنبيه قادتهم إلى ضرورة غزو مصر، ثم بدأوا يقنعون الشعب المصري بأن قدوم الحملة سببه تخليص المصريين من بطش وظلم المماليك، ووضع أمور البلاد في أيدي المشايخ والعلماء.
ثم جاء نابليون في حملته الشهيرة، وألقى منشوره على المصريين، الذي كتبه المستشرقان “فانتور” و”مارسل”، وقضى على المماليك، وهو ما دفع بعض المشايخ لقبول دعوته للعمل في “الديوان” خوفًا على مصير بلادهم التي أصبحت بلا حاكم، ثم أرسل “نابليون” رسالته إلى “كليبر” وأمره بإجلاء الحملة وحمل الآلاف من المصريين معه، ثم اختار المشايخ بعد ذلك؛ وعلى رأسهم نقيب الأشراف “عمر مكرم” إسناد ولاية مصر إلى “محمد علي”.
الفكرة من كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا
إنَّ المدخل الوحيد لاستخلاص واستنباط أصول الثقافة العربية والإسلامية عند “محمود شاكر” هو منهج “التذوُّق” الذي تحدَّث عنه في مختلف كتاباته، وليس في كتابنا هذا فحسب، وقضية التذوق عند محمود شاكر هي قضية حياته المحورية التي تجلَّت في كل كتاباته، الأمر الذي تعدَّى إذن القراءة المجردة للنصوص، أو حتى القراءة النقدية التفصيلية، وإنما تغلغلت حتى بلغت العظم منها والنخاع، وهي درجة عظيمة من النفوذ في البيان العربي، درجة مكَّنته من بلوغ منزلة فريدة من الاجتهاد والتغلغل في اللسان العربي فاستطاع أن يقرأ التراث العربي والإسلامي ويستنبط أصوله، بل استطاع “تذوُّق” طعم النص حتى استخلص تلك الأصول والمنهجية منه، ولم يُجرِ “محمود شاكر” تلك المنهجية على الشعر فقط، وإنما على النصوص المنثورة أيضًا، فكان منهجًا عامًّا له على كل ما قرأ.
مؤلف كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا
محمود محمد شاكر: لُقِّب بأبي فهر، وُلِد في 1 فبراير عام 1909، وتوفي في 7 أغسطس 1997 م، وقد نشأ الأستاذ محمود شاكر في بيئة متديِّنة، إذ كان أبوه كبيرًا لعلماء الإسكندرية ثم وكيلًا للجامع الأزهر، ولم يتلقَّ إخوته تعليمًا مدنيًّا، أما هو وقد كان أصغر إخوته، فقد انصرف إلى التعليم المدني، فتلقَّى أولى مراحل تعليمه في مدرسة الوالدة أم عباس في القاهرة سنة 1916 ثم بعد ثورة 1919 إلى مدرسة القربية بدرب الجماميز، وهناك تأثَّر كثيرًا بدروس الإنجليزية لاهتمامهم بها ولكونها جديدة عليه، ولما كان يقضي أوقاتًا كثيرة في الجامع الأزهر فقد سمع من الشعر وهو لا يدري ما الشعر!! ومن الجدير بالذكر أنه حفظ ديوان المتنبي كاملًا في تلك الفترة.
ألَّف الأستاذ “محمود شاكر” هذا الكتاب في عام 1978، تقريبًا في نفس الوقت الذي ألَّف فيه “إدوارد سعيد” كتابه “الاستشراق”، هذا الكتاب “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” لم يكن منفصلًا وإنَّما صدر كمقدِّمة لكتاب “المتنبي”.