الحفظ الشفهي للحديث
الحفظ الشفهي للحديث
يستصعب بعض الناس حفظ الصحابة والمحدثين المتقن للأحاديث ويستبعدون ذلك وبخاصةٍ في المكثرين منهم كأبي هريرة، مع أن العقل البشري -كما بينت دراسة أمريكية- يمكنه تخزين واستيعاب بلايين المعلومات، والحس والعقل يشهدان بذلك، ونرى من يحفظ الألفية ويحفظ آلاف الأحاديث وهو ما زال فتًى، وكان في السابقين من يحفظ أسفار التوراة؛ فكيف بالصحابة وهم من أقوى الناس حفيظة وأصفاهم ذاكرة ويعيشون في بيئة تعتمد على التلقي الشفوي ويحفظ أهلها القصائد الطوال. وإذا جمعنا أحاديث أبي هريرة كلها لكانت أقل من عدد كلمات القرآن الكريم الذي يحفظه الملايين، وهو الذي لزم النبي منذ أسلم.
ولو نظرنا في المحفوظ نفسه لوجدنا أن كل العوامل التي تعين على الحفظ وتشجع عليه موفورة، فجل أحاديث النبي وجيزة الكلمات نحو “أفطر الحاجم والمحجوم”، و”المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، وقد اعتنوا عناية خاصة بالأحاديث الطويلة القليلة، وكان الواحد منهم يقسمه أجزاءً ليحفظه، وكانت عادة الرسول تكراره للحديث في غير موقف، بل ويكرِّره في المجلس الواحد ثلاثًا حتى يُعقل عنه، وكان (صلى الله عليه وسلم) يلقِّنه للصحابة كما يُلقَّن الطفل، ولا يسرده ككلام الناس مع طول مدة التلقين والحفظ، وبذلك اقتدى من بعده، وتواصوا بتدارس الحديث بينهم لئلا يُنسى، وكان المحدِّث يقلِّل الرواية حتى يحفظها تلامذته ولا يحدِّث بحديث قبل أن يُحفَظ ما سبقه.
وفوق كل هذا، مكانة المتكلم في نفوس أتباعه وأهمية ما يقول والتسابق في الأخذ عنه، والحرص الشديد على دقة ما ينسبونه إليه، وقد ترك بعضهم التحديث بعد أن كبرت سنه، وتركه آخرون خشية الخلط والنسيان، فكيف لا يحفظ من هذا حاله؟ وكيف ينسى من يقطع الرحلات الطويلة في البر والبحر للتثبُّت من حديث واحد؟
الفكرة من كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
السنة النبوية هي جملة الأخبار المروية عن النبي (صلى الله وعليه وسلم) ونُقِلت إلينا مباشرة أو بواسطة، وكان الغمز فيها والتشكيك في موثوقية مصادرها محصورًا في أبحاث المستشرقين وذيولهم ممن تأثروا بكتبهم، ولكن صارت موجة التشكيك في السنوات الأخيرة ذائعة وتلقى آذانًا صاغية نتيجة الابتعاد عن منابع الشريعة الأصلية ومظاهر التفلُّت من أحكامها بضغط الثقافة السائدة مع تفشي الجهل بالأسس والمنهجيات التي دُوِّنت بها السنة ونقلت.
وفي هذا الكتاب يوضح المؤلف الأدلة العقلية على ثبوت الأحاديث النبوية وصحة نسبتها إليه منذ خرجت من فمه الشريف (صلى الله عليه وسلم) مروروًا بعمليات التدوين والنقل والرواية والجمع حتى وصلت إلينا في دواوينها المعروفة، بما ينفي الريب عن المُشكِّك ويزيد إيمان المتيقِّن.
مؤلف كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
وُلد الشيخ محمد بن خليفة الرباح في العاصمة الليبية طرابلس عام ١٩٧٤، وبدأ دراسته في مدرسة “النور القرآنية” حتى ختم القرآن الكريم، وكان له اهتمام بمؤلفات الشيخ الألباني، ثم هاجر عام ١٩٩٠ إلى سوريا والأردن والسعودية، فدرس على يد عدد من العلماء، من أمثال: الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وكتاب “إرشاد طلاب الحقائق” للنووي، وأخذ شرح كتاب “الباعث الحثيث” على يد الشيخ محمد عيد الدمشقي، كما لازم مجالس الشيخ ابن باز خلال مواسم الحج، وأخذ العلم الشرعي على كثير غير هؤلاء، وله مؤلفات ومحاضرات في العقيدة والفقه والسير وتحقيق الأخبار، ومنها: “التفويض في الصفات الإلهية بين أقوال السلف ودعاوى الخلف”، و”موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تارك الصلاة”.