الحضارة والفكرة الدينية

إذا كان مالك بن نبي يؤكد أن الحضارة جوهر المشكلة، والثقافة جوهر الحضارة، فإن التعريف بهما يمثِّل أهمية أساسية في فهم لا شروط النهضة وحسب ولكن مجمل مؤلفات وأفكار ابن نبي، فالحضارة لها جانبان، فأما الجانب الأول فهو الكمي والجانب الآخر هو الكيفي؛ ويتمثل الجانب الكيفي في الإشارة إلى أن الحضارة حشد من الأفكار والمعاني الناتجة عن روح وذوق جمالي وأخلاقي خاص يضفي المعنى على كل شيء، أما الجانب الكمي فهو كل المنتجات والأشياء التي تقدمها الحضارة لأبناء حضارتها وكذلك للآخرين، مطبوعة بروحها الخاصة، فالحضارة إذن هي مجموعة من العلاقات المتشابكة بين هياكل ومنجزات مادية ومجال فكري تنمو فيه.

 الحل: 📚📚📚 مكتبة ضخمة جدا 

من الكتب المبسطة والمضغوطة على هاتفك مع تطبيق أخضر

تطبيق أخضر يوفر لك آلاف ملخصات الكتب العربية والعالمية بطريقة مقروءة ومسموعة في أكثر من ١٦ قسم في كافة مجالات الحياة 

حمله الآن 😎

جوجل بلاي -- أبل ستور

ومجرد تكديس منتجات وأشياء الحضارة الأخرى لا يجلب الحضارة في ذاته! فالبلاد الإسلامية اتجهت إلى صيدلية الحضارة الغربية بمجموعة من الأعراض والأمراض دون أن تُحدِّد علتها الرئيسة، فأعطت لها حبة للفقر، وأخرى للجهل، وثالثة للاستعمار، مع تشتُّت المسلمين في الحركة بين من يؤمن بضرورة بناء مصنع، وآخر مدرسة، وثالث ينظم حركة احتجاجية لطرد المستعمر، وهذا يدل على عدم وعي المسلمين بطبيعة المشكلة التي يواجهونها، وبالتالي الطريقة التي يمكن حلها بها، فأعزى مالك عدم فهم المشكلة على أنها مشكلة حضارة إلى تقدم اليابان ومضي الصين في مشروعها النهضوي في الوقت الذي ظل فيه العالم الإسلامي يعاني مشكلات عدة سياسية واقتصادية، واجتماعية ونفسية.

وليس المقصود من ذلك هو عزل الحضارة التي يرغب المسلمون في تكوينها عن الحضارة الغربية ومنتجاتها، ولكن في ضرورة استلهام أثر الفكرة الدينية في قيام الحضارة، وتأكيد قاعدة أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها نتيجة تفعيل عناصر ومكونات الحضارة الثلاثة: الإنسان والتراب والوقت، فالإنسان هو الذي يقف خلف كل عملية تقدَّم من خلال استغلال وتوظيف عناصر التراب المختلفة وتهيئة البيئة الملازمة لفعلها.

ويأتي الوقت عاملًا في كل تفاعل بين الإنسان والتراب، والفكرة الدينية هي عامل الحفز لتفاعل هذه العناصر الثلاثة، أي هي بمثابة المركب الذي يحفز تفاعل ذرات الهيدروجين والأكسجين لتكوين مركب الماء في الكيمياء.

في هذا الكتاب نجد صلة جليَّة بين الماضي والحاضر والمستقبل في تناول الكاتب لكل قضية من القضايا المطروحة، فنجد اتصالًا بين الواقع المُشاهد وما ينبغي أن يؤول إليه، إذ يعدُّ الكتاب أحد أهم الكتب الفكرية التي تعالج قضايا الحضارة والثقافة في العالم الإسلامي.

ويكتسب أهمية خاصة لكونه يلخِّص أفكار مالك بن نبي وهدف مشروعه الفكري الضخم، الذي عبَّر عنه في الكثير من المؤلفات الأخرى، وليس معنى ذلك الاكتفاء بقراءة هذا الكتاب دون الكتب الأخرى، ولكن فيه إشارة إلى أهمية هذا المؤلف كمدخل لقراءة منظومة فكر مالك بن نبي وفهم مقاصده مع ضرورة التطرُّق إلى المؤلفات الأخرى للتعمُّق في جوانب مشروعه الفكري.

مالك بن نبي: كاتب ومفكر إسلامي، يعد أحد أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، وُلِد في الجزائر في 28 يناير 1905، وتخرَّج في كلية الهندسة.

وله العديد من المؤلفات منها: “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”، و”الظاهرة القرآنية”، و”مشكلة الثقافة”، و”وجهة العالم الإسلامي”، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”، و”ميلاد مجتمع”.