الحرية والسلطة.. مُتناقضان؟
الحرية والسلطة.. مُتناقضان؟
لقد تميَّز لفظ “الحكومة” دائمًا بطابع التخويف والرهبة والطغيان، ومُناقضة الحُريات، ويعود أصل هذا الاعتقاد إلى الشكل البدائي للحُكم، الذي يُؤخذ بالتوارث أو الغزو، مما جعل السائد والمعتاد، أن تتعارض مصالح الحاكم مع إرادة الشعب ومطالبه، وكان الحل لذلك أن تصنع الشعوب حدودًا للحاكم، بإحدى طريقتين، الأولى: فرض حقوق سياسية يُعدُّ اختراقها جريمة، والثانية: سن قوانين دستورية تقوم عليها قوانين البلاد، ولكن مع تقدم الزمن، مالت الشعوب إلى انتداب الحكام من بينهم ومن طينتهم، فتكون المصالح مشتركة بين الحكومة والشعب.
هناك شكل آخر من أشكال الطغيان يُسمى بـ”طُغيان الأغلبية”، وهو أحد الأوجه السوداء لتطبيق الديمُقراطية، فتُطمَس الأقليَّة أو يُلغى التفرُّد بحجة ما تُمليه العادات أو القواعد، وعلاج ذلك هو وضع حدود لاستقلالية الفرد، تبدأ بحريته في الرأي والوعي الباطن، وتشمل حرية الميول، والأذواق، والتخطيط لحياته، ويتبع ذلك حرية تضامن الأفراد لتحقيق أي هدف لا يتضمَّن الإضرار بالآخرين.
ولنفترض أنَّنا في أكثر الظروف مثالية، وكانت الحكومة داعمة لصوت الشعب، هل يجب أن يُفضي ذلك إلى قهر الأصوات المتفرِّدة الأخرى؟ بل إن هذا القهر الذي يُوافق الإرادة العامة هو أشدُّ ذمًّا من غيره، ذلك أن لاختلاف الرأي مزايا هي: أن الرأي السائد قد يكون باطلًا أصلًا، أو أن يكون الرأي السائد صوابًا فيُعرف صوابُه بضدِّه، أو أن يكون لكلا الرأيين نصيبٌ في الحقيقة.
نصل بذلك إلى أن حُسن النية والسعي إلى الاستقرار لا يُبرِّر الاستبداد وخنق الآراء وإن كانت باطلة، والتاريخ يضجُّ بالأمثلة الشاهدة على ذلك، مثل إعدام سُقراط الذي قيل إنه أفضل رجال عصره خُلقًا وفضيلة لأجل صدام بينه وبين السلطات القانونية، وقتل المسيح الذي يقول مِل فيه إن الذين حاكموه لم يكونوا من الأشرار، بل إن عواطفهم الدينية القوية هي التي أمرتهم بذلك، وأبلغ الأمثلة هو ماركوس أوريليوس الذي دفعته عدالته وخوفه من تفتُّت المجتمع إلى اضطهاد المسيحية وهو المُتطبِّع الأمثل بتعاليمها.
الفكرة من كتاب فقه الديمقراطية
يعرِض هذا الكتاب معنى الديمقراطية وأبجديَّتها الأولى كما وضعها معلِّمو الديمقراطية الكبار، من أمثال جون ستيوارت مل، وجون ديوي، وشارلس فرانكل، وكارل بوبر، فيقول إن الديمقراطية هي المُناخ الصحي للنبتة البشرية المُبدعة، التي تميل بطبيعتها إلى الخلق والابتكار لا التكرار أو التقليد الميِّت، وهي الخيط النفيس الذي ينسج رداء الحرية، الرداء الذي تسعى كل الشعوب السوية إلى ارتدائه، بعيدًا عن جُبَّة التبعيَّة العمياء أو اليوتوبيا اللامنطقية.
مؤلف كتاب فقه الديمقراطية
الدكتور عادل مُصطفى: كاتب وطبيب نفسي مصري، حصل على بكالوريوس الطب والجراحة في يونيو 1975، ثم التحق بعد ذلك بكلية الآداب قسم الفلسفة ليحصل على درجة الليسانس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته طوال سنوات الدراسة، كما حصل على ماجستير الأمراض العصبية والنفسية من كلية الطب جامعة القاهرة عام 1986، وكنتيجة منطقية لهذه الدرجات العلمية المرموقة قدَّم للمكتبة العربية ثلاثين كتابًا في الفلسفة والأدب وعلم النفس والطب النفسي، بعضها نتاج أبحاثه ودراساته مثل: “العولمة من زاوية سيكولوجية”، و”المغالطات المنطقية وفهم الفهم.. مدخل إلى الهرمنيوطيقا”، وبعضها الآخر ترجمات لكتب فلسفية عالمية.
حاز جائزة أندريه لالاند في الفلسفة، وجائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة عام 2005.