الحرية والديمقراطية
الحرية والديمقراطية
لا تقع المشكلة التي تهدِّد الحرية فقط في المناطق التي بها سلطات استبدادية عسكرية، بل حتى في أشد البيئات الديمقراطية لا يزال الطريق طويلًا أمام الأفراد لتحقيق أنفسهم، وتمثِّل أكبر مشكلة أمام ذلك وهم التفرُّد، فبينما يكون الفرد العاجز والقلق دائمًا لديه حق التعبير عن رأيه وأفكاره، فهو لا يمتلك أفكاره ولا آراءه، وهذا يسمى “أصالة الأفكار”، وهي تعبير عن أن المنبع هو ذات الفرد.
ويمر الفرد في المجتمعات الديمقراطية بعمليات مختلفة تهدف إلى نزع الأصالة، مثل عملية التربية التي يمكن تعريفها بأنها استئصال لردود الفعل العدوانية والانفعالات المفاجئة وإخضاع الطفل ليكون لطيفًا مطيعًا يقدِّس النظام، ويجبر نفسه على فعل أشياء معينة فقط لأن عليه ذلك، وعلى المستوى الاجتماعي تمارس عمليات الكبت بشكل واضح في اتباع القوانين وآليات السوق.
المرحلة الثانية التي تأتي بعد عملية الاستئصال هي تجهيز الأفكار والإجابات المقولبة للأطفال التي تصوِّر العالم بصورة مثالية مخفية بعض حقائقه وعيوبه وصراعاته المخيفة، حينها يحل التفكير المزيف مكان التفكير الأصيل، ويختبر المجتمع المشاعر والانفعالات المزيفة التي تتركه في وهم الحياة والتفرُّد.
بفقدان أصالة التفكير يعاني الفرد في إدراك أية مشكلة حقيقية، فهو دائمًا ما يرى المشكلات كما تصوِّرها له السلطة والإعلام بصورة ضخمة كبيرة معقَّدة، فيميل إلى تصديق أي تفسير يُطرح عليه منها بإيمان طفولي، محطمًا أي محاولة لتشكيل تصوُّر كلي متماسك حقيقي عما يحدث حوله في العالم.
وهكذا انتقل الإنسان الحديث من سلطة الكنيسة إلى سلطة الدولة، ومنها إلى إحلال الضمير الفردي محل القداسة، ثم توجَّه إلى الحس المشترك أو الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية، يتنقل بين القيود الخارجية والباطنية باحثًا عن الأمان، ومحاولًا إسكات صوت الشك والقلق الذي يعذبه، وكل أمل بأن يستنبط المعنى الذي يجعله يستمر في حياته.
الفكرة من كتاب الخوف من الحرية
تعدَّدت المؤلفات التي تناولت الحرية كأقدم إشكالية حاولت الفلسفات المختلفة الإجابة عنها، فهل هي حق مكتسب فطريًّا بولادة الإنسان؟ وما أنواعها وحدودها؟ وكيف يتنازل كثير من الأفراد عن حريتهم ويقدِّمونها قربانًا ليخضعوا لسلطة ما؟ والأهم ما معنى الحرية بالنسبة للإنسان الحديث؟
مؤلف كتاب الخوف من الحرية
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية، وعانى كثيرًا في طفولته، وفي عام 1922م نال الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل في مصحَّة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوَّجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
يركِّز فروم في أفكاره على تحليل ووصف وانتقاد الظروف السيكولوجية والاجتماعية وما يتقاطع معهما من ظروف اقتصادية وسياسية تشكِّل الإنسان الحديث وطبقات المجتمع، ويعدُّ “جوهر الإنسان”، و”المجتمع العاقل”، و”الخوف من الحرية” من أفضل كتبه.
معلومات عن المترجم:
مجاهد عبدالمنعم مجاهد: صحفي ومترجم مصري ولد في القاهرة عام 1934م، حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وتدرَّج في العمل الصحفي حتى أصبح نائبًا لرئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وأصبح خبيرًا ثقافيًّا بجريدة الأهرام المصرية، ألَّف العديد من الكتب في الفلسفة وعلم الجمال والنقد الأدبي، وترجم كتبًا أخرى أشهرها لفروم مثل “فن الحب”، و”الخوف من الحرية”، تُوفِّي عام 2021م.