الحرية والحتمية والاختيارية
الحرية والحتمية والاختيارية
يظل جوهر الإنسان وحقيقة إرادته وقدرته على الاختيار الحر بين صراع الخير والشر من أهم الأسئلة التي ظلت تطارد الفلاسفة والمفكرين على مختلف اتجاهاتهم، فبين اتجاه يرى أن جوهر الإنسان ما هو إلا نتاج لأنماط ثقافية سائدة تحدِّد سلفًا أفعاله، وآخر يؤكد وجود طبيعة ما تستلزم عدم خضوعها للتطوُّر البيولوجي أو التاريخي والصيرورة، وهذا الاتجاه يحتاج إلى الإيمان بإله متجاوز للطبيعة المادية.
يتكوَّن الإنسان من مجموعتين أساسيتين من العوامل المتناقضة: أولها أنه كائن حي جهازه الغريزي غير كفؤ فيحتاج إلى استغلال مهاراته وتطوير أدوات ولغة لتلبية الاحتياجات، وثانيهما أنه بجانب تمتعه بالذكاء الذي يمكنه من أداء العمليات المعرفية والفكرية لتحقيق غاياته وأهدافه، فإن له ميزة الوعي لذاته ولمحيطه ولتاريخه، وهذه العوامل المتناقضة تعبر عن نفسها في أسئلة وجودية تثير القلق والشعور المستمر بالانفصال والاغتراب عن الطبيعة، وكرد فعل لمحاولة إيجاد الحل، فأمام الإنسان طريقان لا ثالث لهما، الأول هو النكوص والارتداد إلى الطبيعة وحالة سيطرة الغرائز الحيوانية العنيفة، والثاني هو التقدم إلى تطوير إنسانيتنا.
ولكن هل يتمتع الإنسان بالحرية كمنحة إلهية للاختيار بين الطريقين، أم هو جزء من الطبيعة وتقل أفعاله تحت مظلة حتمية اللاوعي والظروف المحيطة؟
يتحدَّد مستوى الحرية الفردية بالقدرة على التصرُّف واختيار فعل ما ووعي الخيارات وعواقبها تحت تأثير خليط من قوى تشكِّل محيطه ودوافع لا واعية وآمالًا معقودة، ويتبدَّى هذا التصرف باحتمال حقيقي يمكن أن يتغلَّب على هذا الخليط وبين احتمال مزيف باستجابة مؤقتة فقط لآمال وخيالات.
يقل مستوى الحرية إذا تتبَّعنا سلسلة ما من القرارات المرتبطة، فعند اتخاذ عدد منها تزداد حتمية اتباع نهج هذه السلسلة، وتتراجع احتمالية التمرد عليها، وكل ما يمكن للإنسان فعله أن يزيد من مساحة وعيه بلا وعيه، أي علمه بدوافع رغباته والقوى المسيطرة على بيئته بالجهد والتبصُّر، محاولًا فهمها لتوفير حد أدنى من الحرية يسمح له بتحمُّل مسؤولياته.
الفكرة من كتاب جوهر الإنسان
ما جوهر الإنسان؟ لطالما أرَّق هذا السؤال كل من له إنتاج معرفي، وانشغلت به الأديان والمذاهب الفلسفية والفكرية على اختلافاتها، محاولة تقديم إجابات تفسِّر عددًا كبيرًا من أفعاله وسلوكياته: هل هو جزء من الطبيعة الحتمية، أم مخلوق متجاوز لها يصارع بين الخير والشر؟ وماذا عن رغبته الشديدة في ممارسة العنف والتدمير، هل هي متأصلة جذريًّا أم أنها رد فعل على وضع ما؟ وهل هناك عوامل تغذِّيه، وإن وجدت فكيف نتحكَّم فيها لنغيِّر ذلك الوضع؟
بمثل هذه التساؤلات وغيرها ومحاولة “إريك فروم” الإجابة عنها، نرى تحليله لبعض الظواهر الإنسانية والاجتماعية.
مؤلف كتاب جوهر الإنسان
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية وعانى كثيرًا في تنشئته، ونال الدكتوراه عام 1922م في علم الاجتماع، كما عمل في مصحة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
ترتكز أفكار فروم على انتقاد كلا الجانبين الرأسمالي والشيوعي بسبب نزعهما الصفة الإنسانية من الإنسان في طريقة رؤيتهما إياه، وقد طرح رؤية بديلة أثناء مشاركته في الحزب الاشتراكي الأمريكي، كما نقد العديد من نظريات فرويد في التحليل النفسي رغم إعجابه الكبير به.
وتميَّز بأعماله التي تناقش الطبيعة الإنسانية في المجتمعات الصناعية الحديثة، ومنها: “المجتمع العاقل”، و”الهروب من الحرية”.
معلومات عن المترجم:
سلام خير بك: مترجم، وله العديد من الكتب المترجمة، من بينها: “حكمة التاو.. أصغ لجسدك”، لمؤلفيه: بيسونغ غاو، وأندرو بويل، و”عقل بلا حدود، تأليف: كريشنا مورتي، و”روح زن”، لآلان واتس، وغيرها.