الحرية كمشكلة سيكولوجية
الحرية كمشكلة سيكولوجية
إذا نظرنا إلى تاريخ تطوُّر الفرد فإننا نجده يتحرَّك دائمًا نحو الاصطباغ بفردية كاملة، ومن الممكن عندها تقسيم الحرية إلى نوعين: النوع الأول هو الحرية السلبية، وتكون عادةً من القيود التي تعوق تحرُّك الفرد إلى فردانية أكثر، وتقيِّد أو تتحكَّم بأفعاله أو بأفكاره مثل سلطة دينية كالكنيسة أو دنيوية مثل الدولة، والنوع الثاني هو الحرية الإيجابية، وتكون لهدف ما أو فعل ما، كتحقيق ذاتية الإنسان والتعبير الأصيل عن انفعالاته.
عندما حقَّق الإنسان الحرية السلبية وتحرَّر أولًا من سيطرة قوى الطبيعة عليه بابتكار المنجزات التقنية وتسخيرها، ثم من السلطة الدينية للكنيسة في العصور الوسطى، محطِّمًا كل الروابط الاجتماعية والأسرية، سقط في العزلة والقلق والشك نتيجة فقدان المعنى والتوجيه، وأصبحت الحرية تجربة إنسانية لا نستطيع دراستها بعيدًا عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وفقدانها يعني ببساطة الخضوع.
يرى هوبز أن الإنسان يتحرك بين رغبته الشديدة للحصول على اللذة والسعادة وتجنُّب الألم قدر المستطاع، وبسبب قلة الموارد والمنافسة مع الآخرين، يسعى لامتلاك القوة التي تؤمِّن له الحصول على أكبر قدر من الموارد وبالتالي السعادة المرجوة، ولكنه لا يستطيع تحقيق ذلك بمفرده فيضطر إلى الخروج والتعاون مع الأفراد وتكوين الروابط لخدمة أهدافه، بينما يرى فرويد في المبادئ العامة للتحليل
النفسي أن نزعة الشر متأصلة في الفرد ولها الغلبة، وأن الدافع المحرك لها هو غرائزه البيولوجية، ويتفق مع هوبز في كونه مناهضًا للاجتماعية، ولهذا لا يشبع غرائزه بشكل كامل، بل يكبتها ويحاول إشباعها اجتماعيًّا، وهو ما يتحوَّل إلى قيم تكون جوهر الحضارة الإنسانية.
ولكن العلاقة بين الفرد والمجتمع لا تكون بهذه الصورة الجامدة، فهي تتصف بديناميكية واضحة، تختلف باختلاف مكوِّنات كل إنسان بسبب عصره، وأن روح عصره تحدِّد احتياجاته الضرورية والأثر الروحي المتعلِّق بإشباعها، والرغبة في وجود معنى للعالم، والمخاوف التي تسيطر عليه، ولهذا فهي تتصف بالمرونة.
الفكرة من كتاب الخوف من الحرية
تعدَّدت المؤلفات التي تناولت الحرية كأقدم إشكالية حاولت الفلسفات المختلفة الإجابة عنها، فهل هي حق مكتسب فطريًّا بولادة الإنسان؟ وما أنواعها وحدودها؟ وكيف يتنازل كثير من الأفراد عن حريتهم ويقدِّمونها قربانًا ليخضعوا لسلطة ما؟ والأهم ما معنى الحرية بالنسبة للإنسان الحديث؟
مؤلف كتاب الخوف من الحرية
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية، وعانى كثيرًا في طفولته، وفي عام 1922م نال الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل في مصحَّة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوَّجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
يركِّز فروم في أفكاره على تحليل ووصف وانتقاد الظروف السيكولوجية والاجتماعية وما يتقاطع معهما من ظروف اقتصادية وسياسية تشكِّل الإنسان الحديث وطبقات المجتمع، ويعدُّ “جوهر الإنسان”، و”المجتمع العاقل”، و”الخوف من الحرية” من أفضل كتبه.
معلومات عن المترجم:
مجاهد عبدالمنعم مجاهد: صحفي ومترجم مصري ولد في القاهرة عام 1934م، حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وتدرَّج في العمل الصحفي حتى أصبح نائبًا لرئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وأصبح خبيرًا ثقافيًّا بجريدة الأهرام المصرية، ألَّف العديد من الكتب في الفلسفة وعلم الجمال والنقد الأدبي، وترجم كتبًا أخرى أشهرها لفروم مثل “فن الحب”، و”الخوف من الحرية”، تُوفِّي عام 2021م.