الحركات النافعة والضارة وطرق إحباطها
الحركات النافعة والضارة وطرق إحباطها
لا شك في ضرورة احتياج المجتمع إلى الحركات الجماهيرية من حين إلى آخر، نظرًا إلى ما تولِّده من ديناميكية العواطف التي تبعث المجتمع من جديد، ولكن كيف نفرِّق بين الحركات الجماهيرية النافعة والضارة؟
المحك الرئيس لهذا الحكم هو المدة الزمنية التي تأخذها الحركة الجماهيرية حتى تتحوَّل إلى مؤسسات تصوغ أهدافها، أي قدرتها في التحوُّل إلى دولة ونظام جديد، فإذا طالت تلك المدة زاد معها التطرُّف والعنف، وارتفع ثمن الخسائر، وقلَّت فرص العودة إلى الاستقرار.
هناك عدة عوامل تحدِّد طول زمن تلك المرحلة، الأول هو ضبابية هدف الحركة الجماهيرية، فاتخاذ أهداف عامة مثل الحرية والمساواة والإنسانية كما في الثورة الفرنسية يترك الأتباع في حالة تخبُّط مستمر، لا يستطيعون أن يحكموا على مدى رضاهم عما حقَّقوه، والعامل الثاني هو شخصية القائد، إذا لم يكن شخصًا عمليًّا فلن يستطيع تحويل الحركة إلى منظمة لتحقِّق أهدافًا عملية في الوقت المناسب.
العامل الأخير هو بداية الحركة، فإذا كانت بداية قوية بحيث حقَّقت أهدافها سريعًا وظلَّت ذكراها قريبة من ذاكرة أتباعهم فسيواجه القادة العمليون صعوبات ومقاومة كبيرة لكي يحققوا النظام مرة أخرى.
تخنق الحركات الجماهيرية الإبداع وحياة الفكر، فنلاحظ معاناة الأدب في ظل الأجواء المشحونة في ألمانيا النازية أو روسيا الشيوعية، بسبب التوتر الذي يؤدي إلى الانحلال الأخلاقي، وتحوَّل الأدب إلى وسيلة دعائية توثيقية لإنجازات الحركة، وتستنزف الحروب والاستعمار والتصنيع الحربي قدرات الإبداع وتكبِّل مخيلة الجماهير.
من الاقتراحات الممكنة لإحباط تكوُّن الحركات الجماهيرية من الأساس، تقوية الروابط الاجتماعية بحيث لا يواجه الفرد العالم منعزلًا فلا يصاب بالإحباط، ومحاولة تنمية تلك الروابط بصورة صحية بدلًا من الذوبان فيها وفقدان الهوية الفردية من جديد، وقد تمثِّل إيجاد حركة بديلة تستثمر إمكانيات الفرد داخل سياق منظم ومحكوم باستراتيجية حكيمة، وأحيانًا تمثل الهجرة إلى أرض أخرى فرصة جديدة لإيجاد الخلاص والحصول على حياة جديدة.
الفكرة من كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
الحركات الجماهيرية هي منعشات لمجتمع مريض هزيل، وضرورة لخلق التغيير ومتابعة صيرورة التاريخ، ولكن يوجد على الجانب الآخر دائمًا الإرهاب أو التطرُّف، وهي ثنائية متوالدة كلٌّ من طرفيها يؤدي إلى الآخر، والنتيجة دائمًا ما تكون كارثية، فبين العنف والتدمير والسيطرة والسادية يتوه الأفراد ويفقدون ذواتهم، يصبحون عُزَّلًا أمام العالم الهائل ويشعرون بالعجز الشديد، ما يزيد من رغبتهم في الذوبان في كيان مقدس أو الانضمام إلى حركة جماهيرية، فما العوامل التي تجذبهم إلى الحركات الجماهيرية؟ ما الخصائص الأساسية التي تشترك فيها جميع الحركات الجماهيرية على اختلافها؟ من هم أفرادها، وما المبادئ التي يعتنقونها؟ وما المراحل المختلفة التي تمر بها وسمات كل مرحلة؟
مؤلف كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
إريك هوفر: ولد الفيلسوف الأمريكي عام 1902م في نيويورك، عمل مزارعًا ثم منقِّبًا عن الذهب، وانتهى به الحال موظفًا بجامعة كاليفورنيا، له مؤلفات متعدِّدة في علم النفس الاجتماعي لدرجة أنه لُقِّب بفيلسوف الأخلاقيات الاجتماعية، ومن أشهرها كتابا: “المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)”، و”محنة التغيير”.
حصل على وسام الحرية الأمريكي عام 1983م وتُوفِّي بنفس العام، وأُسِّسَت جائزة باسمه في عام 2001م تكريمًا له.
معلومات عن المترجم:
غازي عبدالرحمن القصيبي: وُلِد الدكتور غازي القصيبي عام 1940 في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وهو أديب وسياسي ودبلوماسي سعودي شهير، عمل في عدة وظائف حكومية ودبلوماسية، وزيرًا للصحة والعمل، وسفيرًا للمملكة العربية السعودية في كلٍّ من بريطانيا والبحرين، حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، كما أن لديه عدة مساهمات أدبية عديدة في مجالي الرواية والشعر، أشهرها رواية “شقة الحرية”، وديوان شعر “للشهداء”.