الحداثة والوعود الكبرى
الحداثة والوعود الكبرى
هل حقَّقت الحداثة ما وعدت به العالم من تحقيق رفاهية الحياة والحرية والكرامة الإنسانية، وإنهاء الحروب والنزاعات الدموية؟
لا شك في الإنجازات التي حقَّقها البشر على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي منذ بداية القرن العشرين، ولكن تأثير ذلك في إنسانيتنا كان كارثيًّا إذا أمعنَّا النظر قليلًا، فالسلطة تتخلَّى أكثر فأكثر عن إيمانها بالحرية الفردية والحقوق، سواء كانت في صورة دكتاتورية تمارس القمع وتقلِّص الخيارات وتضع العراقيل أمام أفرادها، أو ديمقراطية تحترف وسائل إعلامها التضليل والخداع والإغواء.
أصبح المعيار الأخلاقي الأكثر وضوحًا رغم سيولته هو القوة، تخلق وتلتصق بها الفضيلة أينما ظهرت، كنموذج روسيا الحديثة، التي يميل إليها اليمين المتطرف الأوروبي لحفاظه على القيم الأسرية، وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والإمبراطوريات جميعها، صعدت القومية كبديل إلى مسرح الهويات، تجيب عن أسئلة فهم الذات، وتعيد تعريف الانتماء، وتعطي ذاكرة بديلة للشعوب لتستطيع الاستناد عليها في مواجهة العالم، دون أن تتخلَّى عن فضيلة القوة.
وعند الفشل في بناء هوية قوية بما يكفي واضحة المعالم، أو عجز الأفراد عن تبنيها والانتماء إليها، يفقدون بوصلة حياتهم الجماعية، وتسيطر عليهم ثقافة اللحظة الآنية، ويلهثون داخل دوامات من المشاعر الصاخبة، رغبةً في إشباع ملذَّاتهم التي لا تنتهي، ولذلك تلجأ بعض الدول إلى تزييف الذاكرة التاريخية لشعوبها، سواء لمحو أو زرع سردية خاصة تخدمها، وأحيانًا يمثِّل الواقع صدمة من الصعب التعايش معها أو استيعابها، فيتم الانسحاب إلى بيئة تاريخية لمرحلة ما من الماضي والعيش فيها، حتى لو كانت متخيَّلة.
الفكرة من كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
ما هو الشر؟ سؤال رغم بساطة صياغته فإنه يمثِّل معضلة صعبة، فلطالما كان الشر مرتبطًا في نظر الأديان والشرائع القديمة بالشيطان وأفعال الإنسان عندما يضل عن طريق الحق، أي أنه كان صلبًا محدَّد الشكل والملامح، تستطيع تمييزه من الخير، وتبعًا لذلك تنقسم رؤية العالم إلى أبيض وأسود، خير وشر، ولكن ماذا نفعل إذا تمَّت إسالة هذه الكتلة الصلبة، وبدأت في السريان والتغلغل في أدق التفاصيل والسلوكيات اليومية؟
هذا ما وصل إليه الشر في عالمنا الحديث، فبعد إنكار وجود الإله سقطت الأخلاق المتجاوزة للمادة وخصوصية الإنسان، واتخذ الشر السائل صورًا متعددة، وأصبح أكثر تأثيرًا في حياة الأفراد والشعوب، فما هي تلك الصور؟ وما طبيعة الشر السائل، وما هو الاختلاف بينه وبين الشر الأخلاقي القديم؟ هل عالمنا يدفعنا إلى الغرق في المزيد من الشر؟ وما البديل الذي أمامنا؟ بل وهل هناك بديل مطروح من الأساس؟
مؤلف كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
زيجمونت باومان: بروفيسور علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، طرد من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، واستقر في إنجلترا منذ عام 1971م، وله عائلة مكوَّنة من ثلاث بنات.
تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، وذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله: “الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”.
ليونيداس دونسكيس: منظِّر سياسي وأستاذ جامعي وفيلسوف، ولد في عام 1962م بليتوانيا، عمل في جامعة فيتاوتاس الكبير ببلاده، وتولى منصب عضو الاتحاد الأوروبي منذ 2009م إلى 2014م، توفي عام 2016م بسبب نوبة قلبية، من أشهر أعماله: كتاب “السلطة والخيال”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وله العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل: “عن الله والإنسان”، و”الحب السائل”.