الحب وأشياء أخرى
الحب وأشياء أخرى
لا شك أن البيت القائم على التفاهم بين الأبوين يعزِّز السعادة في البيت، ولكنَّ للحب وجهًا آخر، وهو التسلط باسم الحب، والذي يحول دون النمو السليم للطفل، وعلى النقيض فإن الأطفال الذين ينشؤون في بيوت خالية من الحب يفقدون الثقة في أنفسهم وفي الحياة، وهناك أيضًا التدليل باسم الحب، فالأمهات المبالغات في التدليل لا يعرفن الطريقة السوية للتعامل مع الأبناء.
وعلى الآباء أن يدركوا أنهم لن يتمكنوا من منع حدوث المشاكل لأبنائهم لتخفيف الضغط النفسي، وربما يتعجب القارئ من العلاقة بين الضغط النفسي والأطفال، والحقيقة أن الأطفال أيضًا يتعرضون للضغط النفسي، ودور التربية يكمن في تدريب الطفل على التعامل مع المشكلات اليومية، ويكمن دور المربي في التحدث مع الطفل عما يزعجه، مع تجنُّب الجدال وإطلاق الأحكام.
وإنما يُعلق باختصار على مشاعر الطفل، فمعظم الأطفال لا يسمون المشاعر وهذا يجعلهم أكثر حدة، كما أن حسن الاستماع للابن لا يغني عن تغيير الموضوع بعد فترة حتى تأخذ المشكلة حجمها الحقيقي، ويجب أن يكون تدخُّل الأهل محدودًا لأن الهدف من التربية هو تنشئة طفل حلال لمشاكله.
كما أنه قبل أن يتسرَّع المربي في رفض طلب الابن، فيجب عليه أن يتجنَّب استفزازه، وهذا لا يعني أن يتم استبدال “لا” بـ”نعم”، وإنما يجب أن نحيط الطفل علمًا بمقتضيات الموقف لنمهِّد له أسباب الرفض، وكذلك يجب ملاحظة الحجج التي تؤثر فيه والحجج التي لا يتوقف عندها.
كما يجب على المربي أن يصف المشكلة بدقة بدلاً من المسارعة بالرفض، لأن الطفل لا يتعامل مع الرفض على أنه مجرد كلمة، وإنما عدوان حقيقي يجرده من شعوره بالأمان والثقة، ويحوِّله إلى موقف هجومي عدائي، وكذلك يجب على الأبوين أن يبادرا بتفهُّم مشاعر الطفل وتأكيدها لخفض احتمالية مقاومته.
الفكرة من كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
يفتح هذا الكتاب أعين المربي على بعض الحقائق التي يجب أن يراعيها أثناء عملية التربية، فالتربية ليست علاقة من طرف واحد، وإنما هي عملية تبادلية يتأثر فيها كل طرف بالآخر، ويتعلم فيها الطفل من أبويه والعكس، وإننا نربي أبناءنا مقابل تربيتهم لنا، فالابن قادر على إتمام تربية والديه وإرشادهما بشكل غير مباشر، ولكن تظل العلاقة تحت قيادة المربي.
ويؤكد الكاتب أن الابن ليس خادمًا مجانيًّا، وإنما هبة من الله، وقدر معقول من السلطة الأبوية ضروري لبث شعور الأمن والطمأنينة في نفوس أطفالنا، وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب مقتضيات تربية طفل على الاستقلال وحيثياتها وآثارها الإيجابية في الطفل وفي أبويه، وفي المقابل يعرض الآثار الناتجة عن تربية طفل مطيع لا يناقش، فالآباء الذين يختارون التربية على الطاعة لا النقاش، إنما مالوا إلى هذا الاختيار لتنشئة أبناء قادرين على الاندماج في المجتمع بسهولة ودون معاناة تُذكر.
ويدور الكتاب حول سؤال مركزي؛ ألا وهو: هل نربي أطفالنا على الاستقلال ليناقشونا في كل أوامرنا، أم نربيهم على الطاعة المطلقة دون نقاش؟ ويرى الكتاب أننا يجب أن نقاوم فكرة خلق جيل مماثل لآبائه لا يملك القدرة على التعبير عن نفسه والتصريح بمشاعره وكينونته، وإنما يجب على الآباء والأمهات أن يستسلموا لحقيقة أن أطفالهم سيختارون طريقهم الخاص دون الحاجة إلى جهد خارق من الأبوين.
مؤلف كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
عبدالعزيز الخضراء: كاتب وباحث في المجال التربوي ومستشار أسري، عمل مدرسًا لمادة الرياضيات ثم تخصَّص في أبحاث التربية والتعليم لإيمانه بقدسية مهنة التعليم، مهتم بالإدارة التربوية وترسيخ المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية التي تستهدف إنشاء جيل مبدع صالح وسوي نفسيًّا.
نشر العديد من المقالات في عدة مجلات وصحف تربوية متخصصة، ويعد هذا الكتاب ضمن سلسلة أصدرها الكاتب تحت عنوان “نحن وأبناؤنا”، والتي تتناول عدة كتب أخرى؛ مثل: “الآباء والتربية المعاصرة”، و”التكامل التربوي بين البيت والمدرسة”، و”الأمومة مسؤولية فكيف تمارسينها”، وغيرها من المؤلفات.