الحاكم الحازم عبد الرحمن الداخل
الحاكم الحازم عبد الرحمن الداخل
عاش الأندلسيون في بداية الفتح وقتًا قصيرًا مضطربًا، ولكن سرعان ما نظم حكام العرب الأمور، وشعر الناس بأنهم أفادوا من هذا الحكم الجديد، إذ لاقوا من العدل والمعاملة الحسنة ما جعلهم- وعلى رأسهم المسيحيون واليهود- يرضون بالنظام الجديد، واعترفوا في صراحة أنهم يؤثرون حكم العرب على حكم الإفرنج أو القوط، ورغم ذلك، فقد كانت الأندلس طوال عهدها مشغولة بثورات البربر على العرب، وكان أخطرها ثورة مونوسا البربري وهو أحد قواد طارق بن زياد، وكان أمير الأندلس آنذاك عبد الملك بن قطن الفهري الذي قرَّر الاستعانة بجنود الشام بسبتة، وبالفعل استطاعوا تخليصه من ثورة البربر، لكنهم قتلوه واختاروا للأندلس أميرًا منهم، ولم تهدأ تلك الفتن إلا بعد أن نزل بالأندلس حاكم حازم وقوي وهو عبد الرحمن الداخل (الأموي).
ولما سقطت الدولة الأموية على أيدي العباسيين، استطاع عبد الرحمن الداخل الفرار إلى الأندلس، وعُرف عنه شجاعته وقوته وطموحه، واستقبله مناصروه بحفاوة، فجهز جيشًا للزحف إلى أرشذونة وإشبيلية ثم قرطبة لإحلال سيطرته على الأندلس بالكامل، وكان معروفًا بشهامته ونخوته.
وقد حاول العباسيون بعد ذلك دخول الأندلس، لكن تصدى لهم عبد الرحمن وهزم قائدهم العلاء بن مغيث شر هزيمة، واستطاع التغلب على كل ثورات البربر بعدها، وتُوفي الداخل فخلفه ابنه هشام سنة مائة واثنتين وسبعين للهجرة، وكان خيِّرًا رحيمًا، وبعد وفاته خرج أول عصيان من فقهاء قرطبة بزعامة يحيى بن يحيى الليثي، ولكن سرعان ما فشلت ثورتهم.
الفكرة من كتاب قصة العرب في إسبانيا
تفاجأ العالم بعد القرن السابع الميلادي بالعرب ينزعون العزلة عنهم، ويخرجون فاتحين العالم شرقًا وغربًا، وكل هذا سببه رجل واحد، وهو محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، الذي عظم تأثير دعوته في قلوبهم فتغيَّرت طبائعهم وأخلاقهم، وتوحَّدوا بعد أن كانوا أشتاتًا من قبائل متفرقة، فاكتسحت جيوشهم أقوى البلاد على وجه الأرض آنذاك، وامتدت دولتهم من آسيا الوسطى لتصل إلى تلك البلاد التي شهدت جرأة طارق، وإقدام عبد الرحمن الداخل، وعزيمة الناصر، وعبقرية المنصور، صاحبة تاريخ كله عراك ونضال وصخب طوال ثمانية قرون، ومن العجب أنه رغم ذلك كانت هي شعلة النور والحضارة.. إنها الأندلس؛ إسبانيا اليوم.
مؤلف كتاب قصة العرب في إسبانيا
ستانلي لين بول (1854-1931م): مستشرق وعالم آثار بريطاني عمل في مصر كعالم مصريات، ثم شغل كرسي الأستاذية للدراسات العربية في جامعة دبلن الأيرلندية.
له عدد كبير من المؤلفات تخص التاريخ الإسلامي والعربي، أهمها: “دراسات في مسجد”، و”تاريخ مصر في القرون الوسطى” و”مختارات لين من القرآن”.