الحاضر في طور الهلاك
الحاضر في طور الهلاك
التقدم لا يقوم على أساس قائم مسبقًا، بل يقوم بعد هدم ذلك الأساس وتفكيكه، وكما أن الجهاز العضوي يحيا بفضل “موت”، أي تجديد، خلاياه، فالمجتمع أيضاً يحيا بموت أفراده، وهكذا كل تقدم مهدد بالانحطاط ويحمل في ذاته العملية المزدوجة “التقدم – التقهقر”.
وطالما اعتُبر النمو الصناعي في الغرب تقدمًا، ونُسِيَت الانحرافات والتقلبات التي تخضع لها أي عملية تقدم من تلوث وأضرار صحية وتدهور بيئي وفقدان التضامن وتشرذم الأفراد، وهذه القاعدة لا تختص فقط بالنمو الصناعي، بل تنطبق على كل شيء، فالتقدم الحضاري الذي عاشه القرن العشرون لم يقضِ على الوحشية القديمة كما تصورنا، بل اقترن بها وصنع وحشيته الخاصة، أما عن محاولات الحضارة لكبت وحشيتنا في مكان ما في أعماقنا، فهذا حولها إلى قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
نحن إذًا نسير نحو تحطيمنا الذاتي، لكن لحسن الحظ الخوف المتبادل بين الدول العظمى أجَّل قيام حرب عالمية ثالثة، كما أن تقنيات الإبادة وأساليبها التي تزايدت بشكل ملحوظ، جردت الحرب من كل معنًى، لأن تلك الحرب لن تكون -كما السابق- مجرد عودة إلى نقطة الصفر، بل ستكون حربًا نهائية أخيرة.
ما زال يتحتم علينا فهم هذا العالم الذي يعيش أربعة أطوار منفصلة (التطور – الثورة – التقدم – التقهقر) على الرغم من كل تناقضاته، والصعوبة تكمن في أننا لا ندري أي طور سيحسم الأمر.
الفكرة من كتاب إلى أين يسير العالم؟
هل نحن بخير؟ ربما تخلصت الإنسانية من الأوبئة والأمراض التي أرّقت مضاجعها طيلة قرون، وربما تمكنت من غزو الفضاء واكتشاف تقنيات لعيش حياة أفضل، لقد أردت أن أخبرك أن العالم على وشك أن يصل أخيرًا إلى السلام، إلا أن هيروشيما ومعتقلات النازية والسياسة الستالينية تخبرك بغير ذلك.
قد يبدو العالم اليوم في صراع من أجل السلام، لكنه في الحقيقة في صراع من أجل البقاء، وخطته المزعومة نحو السلام قادته فقط إلى ابتكار مزيد من تقنيات التسلح وأساليب الإبادة!
فهل هذه الإنسانية التي حلمنا بها، أم إنها كانت جنينًا قُتِل عمدًا في مهده قبل أن يرى النور؟
يقدم إدغار موران في هذا الكتاب نظرته الذاتية عن القرن العشرين، ويولد مفاهيم جديدة لمصطلحات ظننا أننا نعرفها، مثل: الأزمة، والثورة، والتقدم، والحضارة، مستعينًا بخبرته التي اكتسبها من الأهوال التي عاصرها في الحربين العالميتين وفيتنام وكوبا والجزائر وغيرهم، مما انفردت به الساحة الدموية للقرن العشرين.
مؤلف كتاب إلى أين يسير العالم؟
إدغار موران: ولد عام 1921م، وهو أحد الفلاسفة وعلماء الاجتماع في فرنسا، ومدير فخري للأبحاث بالمركز الوطني للأبحاث العلمية، وصاحب نظرية التعقيد واستراتيجية الفكر المركب، وأحد المنظرين للمقاربة العبرمناهجية، ويعتبر من أهم المحللين للفكر المعاصر ولتاريخ الثقافة الأوربية والعالمية.
حاز عدة جوائز من بينها دكتوراه فخرية في عديد من جامعات دول العالم وجائزة شارل فايون للكتاب. وله عديد من المؤلفات منها:
ثقافة أوروبا وبربريتها.
هل نسير إلى الهاوية.
الفكر والمستقبل مدخل إلى الفكر المركب.
عنف العالم مع جان بودريارد.
معلومات عن المترجم:
أحمد العلمي: أستاذ الفلسفة ورئيس قسمها في جامعة ابن طفيل في مدينة القنيطرة بالمغرب، وعضو هيئة تحرير مجلة مدارات فلسفية، له عديد من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية في مجال اختصاصه.