الحاشية
الحاشية
لا يستقيم الأمر للحاكم المستبد دون تكوين حاشية من أفراد منافقين وفاقدين للكرامة، لإعانته على تطبيق رؤيته بوحي منه وتسهيل استتباب استبداده، وهذه الحاشية تتذرَّع بالسلطة والسطوة الممنوحة لها لتحقيق المكاسب وإخراس الناس المحتجين بادِّعائها تنفيذ الأوامر، يضخِّمون الحاكم وإنجازاته حتى لو كانت قليلة لدرجة أنها تعاد ذكراها ويتم الاحتفال بها ومنحها مساحة كبيرة في ذاكرة الشعب.
فكيف تتم إعادة إنتاج الخطاب الإعلامي لنفس الأحداث في كل مرة؟
الإجابة هي المفوَّهون؛ الأفراد الذين لديهم القدرة على تأدية خطاب متكرر بصورة تقنية آلية منزوعة المشاعر والتعبيرات، فهو ممثل يكرِّر دوره الذي تدرَّب عليه مرات عديدة، دون الحاجة إلى الإحساس بقيمته أو الاهتمام بالمضمون من الأساس، وذلك لأن رغبة وسائل الإعلام الأساسية في الدول المستبدة لا تكون موجهة أساسًا إلى الجمهور عبر نقل وكشف الحقيقة أو لإثرائهم ، بل لنيل رضا السلطة، وأن تكون لها دور يذكر وملاحظ لعلَّها تحقِّق مكاسب مستقبلية بذلك.
كل ذلك يضفي على الحاكم صفة القدسية، ونلاحظ في الثقافات التاريخية المختلفة اقتراب الحاكم دائمًا من الإله، سواء كان هو الإله أو ابنه أو نصفه، فهو الذي يبدأ ويعيد كل شيء منه وإليه، يخضع الجميع له خشيةً وخوفًا من قدراته التي هوَّلت من حاشيته، يمنع من النقد أو التطاول أو التمرد، لديه بصيرة دائمة تتدخَّل وتحل كل المشكلات الاقتصادية والسياسية وغيرها.
الحاكم المؤلَّه يتجاوز خوفه الجميع، فلا يثق بأقرب الناس إليه من حاشيته لأنه يعلم مبادئهم وسلوكهم، ويشعر دائمًا بالخطر المهدِّد لفقدانه سلطته التي تمنحه القيمة الوحيدة، ولهذا يحاول الخلود بأي شكل، وأن يبين دائمًا أن كل ما تم وسيتم فهو بفضله.
الفكرة من كتاب حيونة الإنسان
اختلف الفلاسفة والمفكِّرون في تعريف الإنسان، فتارة هو حيوان ناطق، وأخرى هو حيوان له ذاكرة، وأحيانًا حيوان يميل إلى الاجتماع، بينما يرى الدين أنه مخلوق كرَّمه الله، له نزعات أو شهوات يشترك فيها مع الحيوان، وبنظرة بسيطة حولنا نجد أن عالم اليوم يتبع كل أساليب القهر النفسي والجسدي كي ينزل الإنسان إلى مرتبة الحيوان بالكلية.
عملية حيونة الإنسان تتم بالتدريج، وتتخذ من التعود داعمًا كبيرًا لها، فنحن نألف كل قبيح مهما كان ثم نتقبله لكي نتكيَّف ونبقى على قيد الحياة بشعور أقل بالألم، فما الذي يحمل الإنسان على ممارسة العدوان والظلم ضد إنسان آخر؟ أي ما سبب كل تلك المجازر والحروب التي أراقت العديد من الدماء؟ وكيف تنشأ الأنظمة الاستبدادية وتتغذَّى على ممارسة العنف والخوف لدى شعبها؟ وهل نحن بعيدون كما نتخيل عن عملية الحيونة أم من الممكن أن تصيبنا أيضًا؟ كل تلك الأسئلة نجد إجابتها في كتاب “حيونة الإنسان”.
مؤلف كتاب حيونة الإنسان
ممدوح عدوان: كاتب ومسرحي ومترجم وشاعر سوري، ولد في محافظة حماة عام 1941م، وسُمِّي “مدحت”، ولكن نُصِح والده بتغيير اسمه زعمًا بأنه تركي الأصل، وخوفًا من عداوة السوريين للأتراك في ذلك الوقت، فعرف بقية حياته بممدوح، التحق بجامعة دمشق لدراسة اللغة الإنجليزية بقسم الآداب، وعمل في نفس الفترة بصحيفة “الثورة”، ثم عمل لفترة في تدريس مادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتوفي عام 2004م بعد صراع مع مرض السرطان.
تنوَّعت أعماله بين مقالات ومسرحيات مثل: “محاكمة الرجل الذي لم يحارب”، وكتب أشهرها: “تهويد المعرفة”، و”دفاعًا عن الجنون”، ودواوين شعرية مثل: “الظل الأخضر”، و”حياة متناثرة”، بينما اكتفى بروايتين فقط هما: “الأبتر”، و”أعدائي”.