الجُذام.. وما بين السطور
الجُذام.. وما بين السطور
بدأت رحلة التعرف إلى مرض الجذام من لقطة صغيرة لكنَّها تحمل معاني الرعب في نفسِ طفلٍ صغير، كان ذلك حين قام والد الدكتور براند بمعالجة ثلاثة رجالٍ غرباء، بأقدامٍ منتفخة خالية من الأصابع، وكان في البيت نوع من الخوف والاستنفار حتى أنهم ألقَوا بسلة الفواكه التي أحضروها في النار، وبعد الذهاب إلى الهند كطبيب جرَّاح بدأت مرحلة الاهتمام بالجذام تشكُّلها، فقد كان الدكتور براند في زيارة بوب كوتشون في مصحَّة تيشنغلبُوت لمرضى الجُذام، كان كما وصفه الدكتور براند صباحًا كئيبًا، فقد رأى الكثير من الأيدي التي تبحث عن علاج لفقدان الاتصال الشعوري بها، من هنا انطلق باحثًا عن الدراسات والأبحاث السابقة المتعلِّقة بمرض الجُذام،
ثم بدأ بالتردُّد على مصحَّة تيشنغلبُوت بشكلٍ أسبوعي، وحين بدأ بمعالجة مرضى الجُذام كان عليه التحلِّي بالتواضع، والشجاعة في مواجهة هذه التقرُّحات الشنيعة، وهذه الروائح النفَّاذة، وهذا الخوف السائد من الخوف من العدوى، على الرغم من معرفة الدكتور براند أن هذا الخوف غير منطقي أو صحيح لأن معدَّل العدوى ضئيل جدًّا، فإنه لم يستطِع منع نفسه من الحذر الدائم منها، كانت البدايات مليئة بالعطب والتقدم القليل، على الرغم من ذلك فقد كان المرضى -مع هذا التحسُّن القليل- يغادرون مفعمين بالأمل والحماس، آملين بزوال اللعنة عنهم، والعودة إلى حياة البشر، لا البقاء في حياة المجذومين.
تحوَّل العمل مع المجذومين من مجرد إصلاح الأيدي المتضرِّرة، إلى تحدٍّ في كيفيَّة حماية مرضى الجُذام من إلحاق الأذى بأنفسهم، هذا التحدِّي قوبل بنجاحٍ باهر؛ فالتقدم الحاصل في مجابهة المخاطر المحتملة حدَّ بشكلٍ كبير جدًّا من الأضرار الحاصلة نتيجة الجذام الذي لم يكن سببًا فيها بشكلٍ مباشر، بل عدم إحساسهم بالألم هو ما أنتج هذا العطب، مما أيَّد نظرية الدكتور براند الخاصة التي آمن فيها أن العدو الوحيد للمجذوم هو فقدان الألم.
الفكرة من كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
هذا الكتاب بمثابة مذكرات شخصية للدكتور بول براند في رحلته التي تنقَّل فيها بين أعماق الفقر إلى أقصى أنواع الرفاه، وبين أحوال المجذومين في الهند، وأحوالهم في الولايات المتحدة، وقد حاول على طول هذه الرحلة الإجابة عن أسئلته المتعلقة بالألم، وفلسفته، وأثر غيابه في نفس الإنسان في مقابل غيابه من جسده.
مؤلف كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
بول براند: طبيب جرَّاح وُلِد في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م لأبوين تبشيريين بالديانة المسيحية، وقد كان من أهم الجرَّاحين المُساهمين في العلاج الجذري من مرض الجُذام الذي كان من أصعب الأمراض في ذلك العصر، نشأ في الهند مع أبويه ثم انتقل إلى إنجلترا لاستكمال دراسته، ثم عاد إلى الهند مجدَّدًا بعد أن أصبح جرَّاحًا، وأنشأ مشفى لعلاج مرضى الجُذام هناك، ثم عاد إلى الولايات المتحدة بعد 19 عامًا من العمل في الهند، وتوفِّيَ عام 2003م عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، وله من الكُتب: “الموسم الأبدي”، واشترك مع فيليب يانسي في كتاب: “في صورته”، و”صُنع بعجب وتفوُّق”.