الجيتو.. قمع أم اختيار؟
الجيتو.. قمع أم اختيار؟
في عام 1555م أصدر البابا بولس الرابع نشرة بابوية توصي بعزل اليهود إجباريًّا، وبعد فترة قصيرة اتَّبَع هذا الأسلوب في جميع المدن الواقعة تحت السلطة البابوية وسرعان ما عرفت تلك المؤسسة الجديدة باسم الجيتو، أما في روسيا القيصرية فكان الأمر أشد صرامة، إذ أصدرت الإمبراطورة كاترين الثانية مرسومًا إمبراطوريًّا أدى إلى تحديد إقامة اليهود، كانت المشكلة كما رآها قياصرة روسيا ترجع إلى التعصب الديني والروح الانفصالية لدى اليهود، كما رأوا أن التلمود هو الذي غذى فيهم كره الشعوب التي تؤمن بديانات أخرى، لكن الحقيقة أن النزعة الانعزالية لدى اليهود ظهرت قبل وقت طويل من ظهور الجيتو، فأينما وجدوا كانوا يجتمعون في أماكن منعزلة في المدن التي سكنوها، حتى في تلك البلدان التي لم تنظر إليهم نظرة قياصرة روسيا، فاتخذوا في مصر مثلًا اسم “حارة اليهود” وفي اليمن “قاعة اليهود” أو “القاع قاع”، إذًا فقد كان الجيتو اختياريًّا بالنسبة إلى كثير منهم ودخلوا فيه بمحض إرادتهم.
ولعل السر في هذا الطابع الانعزالي يرجع إلى التلمود فعلًا، فالأفكار التي تبلورت على أيدي مدونيه من الحاخامات عمقت لدى اليهود عقائد استعلائية وثيقة الصلة بالانعزال كفكرة الشعب المختار وانتظار المسيح المخلِّص، إلا أن الأمر تغير مع ظهور حركات التسامح والحريات في أوربا إذ رأى اليهود أنه لم يعد هناك داعٍ للبعد الزائد عن الشعوب التي تشربت بحب الإنسان، فظهرت نتيجة لذلك حركة تنوير عصرية بدأت من ألمانيا وعرفت باسم “الهسكالاه”.
تمرد التنويريون أول ما تمردوا على التراث الديني اليهودي فهاجموا فكرة المسيح المخلِّص ومحوا كلمات كصهيون وأورشليم من كتاب الصلوات، بل وصل الأمر في بعض المعابد إلى حظر استخدام العبرية واعتماد الألمانية والفرنسية في الصلوات.
الفكرة من كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
يحكي الكتاب باختصار تاريخ الشخصية اليهودية من ثقافة الجيتو | Ghetto التي فرضت عليها العزلة عن باقي المجتمعات، ثم التمرد على تلك الثقافة والمحاولة الفاشلة للتماهي في المجتمع لتتمخض عن ظهور حركة الصهيونية.
سعت الحركة الصهيونية إلى إقناع اليهود أن العالم شرير وأن العزلة هي الحل الأمثل لحماية الشعب اليهودي المختار من براثنه، لذلك انتهجت سياسة تعسفية تجاه مواطنيها عمدت إلى إنشاء الكيبوتسات لعزل الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم لتتأكد أن القومية الإسرائيلية لن تحل محل القومية اليهودية، ومن ثم لن يسعى أي جيل يهودي إلى السلام.
مؤلف كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
أسامة عكنان: كاتب وباحث سياسي فلسطيني أردني، وُلد في مدينة نابلس عام 1970م، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2003م، ويعمل حاليًّا أستاذًا مساعدًا في قسم العلوم السياسية في جامعة مؤتة الأردنية، اشتهر بكتاباته النقدية للفكر الصهيوني والسياسة الإسرائيلية، وقد نشر عديدًا من الكتب والمقالات في هذا المجال، منها:
الفكر الصهيوني: جذوره وتطوره.
إسرائيل: القوة والضعف.