الجمع بين النص والعقل في الفكر الإسلامي
الجمع بين النص والعقل في الفكر الإسلامي
كان الفلاسفة قديمًا يرون أن كل ما يستطاع معرفته يمكن تحصيله بطريق العقل، بينما ذهب اللاهوتيون المسيحيون إلى أن المعرفة تتحصَّل بطريق الإنجيل، أو العقل، أو بالاثنين معًا، بينما تحصيل المعرفة عند المسلمين يكون بطريق الوحي الإلهي، والعقل، والنظر في الطبيعة، والخبر الصادق، والتأمل في الأفكار والنوازع الداخلية في نفس الإنسان.
فحين جاء الإمام الشافعي استمر في إضفاء الطابع العقلي على الشريعة من خلال تشييده “علم أصول الفقه” بوصفه علمًا مستقلًّا بذاته، فأنهى بذلك الجدل الدائر بين أهل الرأي وأهل الحديث، بدمجه الحديث في بنية الفقه الإسلامي، فوضع بذلك أول حجر أساس للعقلانية الإسكولائية الإسلامية، لكن ظلت هناك مسائل متروكة لم تحل، حيث أظهرت المعتزلة مشكلات حقيقية لم يتمكَّن أهل الحديث من حلها، منها مسألة (خلق القرآن) وإنكار أن يكون للصفات حقيقة مستقلة عن ذات الله، وأن عدالة الله تنطوي بداهة على القول بالإرادة الإنسانية وعلى رفض القضاء والقدر، وغيرها من المسائل التي أجاب عنها الإمام أبو الحسن الأشعري.
حيث قدَّمَ (الأشعري) إجابة جمعت بين التعقيد الجدلي والحرْفية النصية، ففُهِمت الصفات الإلهية التي تبدو فيها تشبيه الخالق بالمخلوق في القرآن “بلا كيف”، كما أوضح أن إحاطة الإنسان بمراد الله وعدالته أمر مستحيل، فأرسى الأشعري بذلك دعائم العقلانية الفقهية، وببزوغ نجم الفلاسفة، قدَّمَ الإمام أبو حامد الغزالي الرد الأشعري على غيره، مما ساعد على ترسيخ العقلانية الإسكولائية، وبمجيء الإمام فخر الدين الرازي اتسم علم الكلام في ثوبه الجديد بعقلانية مدرسية إسكولائية أصيلة.
وعلى مدى سبعة قرون ظل المنطق يدرس بشكل صارم في المدارس والمعاهد الدينية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وما زال كذلك في مصر (الأزهر) وإيران والعراق والهند، حيث يعتمدون على مختصرات ذائعة الصيت، مثل كتاب “الشمسية” لنجم الدين الكاتبي، وهو مقدمة في علم المنطق، وكذلك كتاب “إيساغوجي” لأثير الدين الأبهري، وهو مقدمة أولية في علم المنطق، إلى جانب الكثير من الكتب والشروحات والحواشي.
الفكرة من كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
يسلِّط جون والبريدج، من خلال كتابه هذا، الضوء على التراث الإسكولائي الإسلامي (التراث العقلي المدرسي في العصر الوسيط)، ليتبيَّن أن العقل كان له دور محوري ومركزي في الحياة الفكرية الإسلامية، ويرى أن هذا التراث جديرٌ بالتأمل والنظر، إذ إنه على مدى التاريخ الإسلامي تمَّت العناية به، بل ولا تزال المعاهد الدينية (كالأزهر الشريف في مصر، وقم في إيران، والنجف في العراق) إلى اليوم تولي هذا التراث الذي قام على التلمذة والتخصُّص وانطوى على آلاف من الأذكياء والنابهين العناية الكاملة والعكوف عليه.
كما يذهب جون إلى أن كلًّا من الأصوليين والحداثيين اتفقوا على معارضة هذا التراث الإسكولائي، مما ساعد على انهيار الحياة العقلية الإسلامية التي استمرت لقرون، وتم استبدالها أنماطًا من التفكير غاية في الضحالة والهوان، ورغم ذلك يرى أن هذا التراث الفكري الإسلامي الوسيط سيُبعث من جديد ليكون من الأعمدة التي يقوم عليها مستقبل الإسلام.
مؤلف كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
جون والبريدج John Walbridge: أستاذ لغات الشرق الأدنى وثقافاته في جامعة إنديانا، ألَّف تسعة كتب عن الإسلام والثقافة العربية، منها أربعة كتب في الفلسفة الإسلامية وحدها، تُرجم منها إلى العربية كتاب: “الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل”.