الجري في حضارات العالم القديم
الجري في حضارات العالم القديم
حمل العداؤون على عاتقهم مسؤولية كبيرة في العالم القديم، وهي ربط الإمبراطوريات والمناطق بعضها ببعض، عن طريق حمل الرسائل المهمة ونقلها إلى وجهتها بسرعة، فلُقبوا بالرسل، وانطلقوا مسابقين الزمن، ومتحَدِّين للظروف الجغرافية الصعبة، لا يتوقفون عن الركض إلا بعد أداء مهمتهم المقدسة، ومع انهيار الإمبراطوريات الكبيرة، تبدلت أحوال العدائين فانتقلوا من خدمة الملوك إلى النبلاء، وحافظوا على التكريم الاجتماعي والتقدير الشعبي، وحصلوا على بعض امتيازات الطبقات العليا، وميّزوا أنفسهم بملابس وألوان مختلفة، وخاضوا في أوربا عديدًا من السباقات الترفيهية مقابل الحصول على الاعتراف الاجتماعي بقدراتهم، وزيادة احتمالية حصولهم على وظيفة لدى أحد النبلاء، وظلت الأحوال كما هي حتى ظهرت خدمة البريد، لتبدأ مهنة العداء الرسول في الاندثار.
لم ينحصر الركض على الرسل فقط، بل أصاب عشقه الملوك، فأدلة التاريخ تثبت أن ملوك الفراعنة والسومريين ركضوا، مثل: رمسيس الثاني وشولكي، بل وشجعوا رعاياهم على الركض الذي كان بالنسبة إليهم -على غرار أوربا- وسيلةً للتقرب من الحكام والتعرض لعطاياهم، فركض العداؤون السومريون لتوصيل الوثائق الرسمية مقابل الحصول على زيت الزيتون والبيرة وقطع من الأراضي، بينما مارس الفراعنة الركض بجانب باقي الألعاب الرياضية.
وفي الحضارة اليونانية كان الركض تكريمًا لآلهة الأولمب، يتجمع في ساحاته القادمون من جميع مدن اليونان بمختلف سنهم ليخوضوا سباقات تستمر لأيام، يعود الفائزون منها محملين بشرف ورضا الآلهة، وتُسمى المدن باسمهم، وتبنى تماثيل على شرفهم، حتى النساء تدربن وركضن -خصوصًا نساء إسبرطة المتحديات- سواء لإثبات قوتهن، أو لتحسين حظوظهن في الحصول على أزواج أقوياء رياضيين، أما ملوك اليونان، فاشتهر عن الإسكندر الأكبر حبه للركض وممارسته للسباق، وقيل إن سبب توقفه كان سماح أحد المتسابقين له بالفوز مما عدَّه إهانة، وبالطبع لم يسلم الركض من كتابات فلاسفة الإغريق، فتناوله سقراط وأرسطو بعناية في مؤلفاتهم.
الفكرة من كتاب الجري: تاريخ غير تقليدي
متى بدأ الإنسان في الجري؟ لا توجد إجابة أكيدة، فالجري قديم قدم الإنسان نفسه، ولم ينحصر في حضارة دون أخرى، فلقد ركض الفراعنة والسومريون، وتسابق العداؤون اليونانيون في الساحات الأولمبية، حتى أوربا وآسيا لم تسلما من عدوى الركض.
سَنَجُوب قارات العالم القديم والحديث لنسمع الحكايات الشعبية عن الركض، ونكتشف الأساطير المرتبطة به، ونفهم لماذا قدس القدماء الجري، ونعلم كيف أضفت جميع الثقافات لمستها الخاصة على الجري، وماذا مثّل لهم، وما المراحل التي مر بها حتى أصبح وسيلة لكسب المال، ومدى إمكانية أن يغيّر الجري من حياتك.
مؤلف كتاب الجري: تاريخ غير تقليدي
ثور جوتاس: هو مؤرخ فلكلوري نرويجي، ولد في برومندال عام 1965م، يعمل محررًا رياضيًّا ومعلقًا للأحداث الرياضية على التلفزيون النرويجي، وقد شارك أيضًا في عديد من الفاعليات الرياضية الكبرى حول العالم، بالإضافة إلى أنه ألقى المئات من المحاضرات على مدى السنوات العشرة الماضية في عديد من السياقات المختلفة، كما أنه أعطى صوتًا لأحد عشر مسلسلًا إذاعيًّا حول مواد كتابه الخاصة.
ويعد ثور جوتاس من أهم الكتاب في مجال الركض، وله تأثير كبير في المجتمع الرياضي النرويجي والعالمي، وقد ألَّف عديدًا من الكتب التي تناولت تاريخ الركض منذ أيام الإغريق القدماء حتى العصر الحديث، ومن أشهر كتبه:
Magnus
Brødrene kvalheim – to løperliv
Taterne – livskampen og eventyre
معلومات عن المترجمة:
نادين الخطيب: مترجمة ورسامة سورية، ولدت في دمشق عام 1977م، حصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة دمشق، ثم درست الترجمة في جامعة البعث في حمص، وعملت مترجمة للغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وأيضًا رسامة للكاريكاتير والرسوم المصورة، قدّمت أعمالها في معارض فنية دولية، وحصلت على جوائز عديدة عن أعمالها الفنية، ومن الأعمال التي شاركت في رسمها: بعض أعمال سلسلة صديقي شوشو.