الجريمة.. نمط جديد
الجريمة.. نمط جديد
بعد جون كريستي و”جلاتمان | Glatman” وهيج، ظهر مانسون وزودياك وسفاح المستنقعات، فثَمّ نمط جديد من الجريمة يظهر على رأس كل بضعة عقود، ودرجة تحوُّل بين دوافعها على مدى الزمن واضحة كقرص الشمس، فجرائم الوقت الحالي تختلف عن جرائم القرن التاسع عشر التي ارتُكبت بهدف البقاء أو الحفاظ على الأمن الشخصي، مما دفع عالم النفس “أبراهام ماسلو” إلى وضع إطار عام يفسر ذلك، وتوصل إلى أن الدوافع البشرية تقع تحت أربعة احتياجات، وهي: الطعام في المرتبة الأولى، يليه الاحتياج إلى السكن والمأوى، ثم الرغبة في الإحساس بالأمان، وأخيرًا الإحساس بتقدير الغير واحترامه. تأتي بعد ذلك مرحلة أخيرة لا يتوصل إليها أغلب البشر وهي الاحتياج إلى تطوير الذات، توصل ماسلو إلى أن الإنسان باجتيازه لأحد المستويات تنتابه رغبة شديدة في الوصول إلى المستوى الذي يليه، وبذلك فإن تطور أنماط الجريمة لم يكن إلا انتقالًا بين تلك المستويات.
المدهش أن ماسلو وضع نظريته بعد مراقبته الطويلة للقرود في حديقة حيوان “برونكس”، إذ لاحظ أن القرود الأكثر هيمنة تستأسد على الأضعف من الذكور والإناث لدرجة أنها قد تمارس الشذوذ في سبيل فرض هيمنتها، فأجرى أبحاثًا لدراسة العلاقة بين الجنس والهيمنة وتأثيرها في السلوك البشري، توصل من خلالها إلى أن البشر يصنفون ضمن ثلاث مجموعات من السيادة: عالٍ ومتوسط وضعيف، واتضح أن القاعدة التي تحكم دوام العلاقة تقوم على الانجذاب بين الأفراد من المجموعة السيادية نفسها، فالذكر العالي السيادة ينجذب إلى أنثى عالية السيادة وهكذا، أما عند نشوء علاقة بين طرفين بينهما فارق سيادي فيحدث خللٌ ما قد يسبب نوعًا من الشراكة الإجرامية، ويمكن هنا الاستشهاد بقصتين تؤيدان وجهة النظر هذه.
الفكرة من كتاب التاريخ الإجرامي للجنس البشري: سيكولوجية العنف البشري
اغتصب الجنود اليابانيون ما يزيد على عشرين ألف أنثى في مدينة نانكنج الصينية، وانتزعوا أحشاءهن بعد الاغتصاب، كما استعملوا صبية المدارس أهدافًا حية للتدريب على القتل بسناكي البنادق، وفي الجانب الآخر من العالم دخل الألمان قرية أورادور الفرنسية، فجمعوا نساء القرية وأطفالها في الكنيسة قبل أن يضرموا فيها النيران ويحرقوهم أحياءً، ومَن حاول من الأطفال الفرار من ألسنة اللهب أمسك بهم الجنود وألقوا بهم في الكنيسة المشتعلة. وبعد تلك الحادثة ببضعة عقود، وافق المقاومون الفلسطينيون على ترحيلهم من بيروت تحت وطأة الحصار، وتركوا نساءهم وأطفالهم بمعسكري صبرا وشاتيلا للاجئين، فقامت عناصر مسلحة تحت حماية قوات الاحتلال بمذبحة تركت ندبًا عميقة في جسد التاريخ.
على مدى قرون، تفرد الإنسان بوحشية مفرطة وبكونه الكائن الوحيد الذي يتلذذ بتعذيب بني جنسه.
وهذا كتاب يغوص في أعماق الجريمة، لدرجة قد تجعل القارئ يقرر في بعض صفحاته ألا يكمله من هول ما يقرأ، لكن الواقع أليم والمجرمين كثر وفي تزايد، لذلك يعد الكتاب مصدرًا مهمًّا لفهم عقلية المجرم، عسى أن نمنع الشر أو على الأقل.. نُحجمه.
مؤلف كتاب التاريخ الإجرامي للجنس البشري: سيكولوجية العنف البشري
كولن ولسن: كاتب إنجليزي ولد في ليستر بإنجلترا، ترك المدرسة في سن السادسة عشرة ليساعد والده، نشر كتابه الأول “اللامنتمي” وهو في سن الخامسة والعشرين، وله عدة مؤلفات منها:
أصول الدافع الجنسي.
فكرة الزمان عبر التاريخ.
المعقول واللامعقول في الأدب الحديث.
معلومات عن المترجم:
د. رفعت السيد علي: ترجم عدة أعمال منها:
الطريق إلى مكة.
مقدمة قصيرة عن الحرب العالمية الأولى.