الثورة الفرنسية وصراع المبادئ في أوروبا
الثورة الفرنسية وصراع المبادئ في أوروبا
عرفت أوروبا منذ عام 1648 مبدأين أساسيين لتنظيم سير العلاقات فيما بين قواها؛ الأول هو مبدأ حق العروش في تقرير مصائر الشعوب أو ما يُعرف بمبدأ الحق الإلهي للعروش، ومفاده أنه من حق أصحاب الإمبراطوريات التصرف في ما يملكونه من أقاليم بما عليها من بشر كيفما شاؤوا ووقتما شاؤوا، أما الثاني فهو مبدأ توازن القوى كآلية لحفظ الاستقرار بين علاقات القوى الكبرى، ومؤداه أن على الدول الكبرى أن تحافظ على التوازن في توزيع القدرات وعوامل القوة فيما بينها، فلا تسمح بأن تزيد قوة واحدة بفارق كبير على القوى الكبرى الأخرى إلى درجة تمكنها من الهيمنة على ما عداها من الدول.
أرسى هذان المبدآن دعائم ما يُعرف بالنسق الأوروبي مُتعدد الأقطاب، وظلت هذه المبادئ سارية حتى الثورة الفرنسية عام 1789، التي يعتبرها المؤرخون محطة فاصلة ليس فقط في تاريخ العلاقات الدولية، وإنما في تاريخ العالم بمجمله، وقد حاولت هذه الثورة أن تتحدى المبدأين السابقين، فأعلنت حق الشعوب في تقرير مصائرها بديلًا عن المبدأ الأول، وتحدى نابليون بسياسته الرامية للهيمنة الفرنسية مبدأ توازن القوى السائد في أوروبا، وتم ترويج مبدأ جديد على هداه يكون للشعوب حق التجمع على أساسٍ من القومية، هنا وضعت الثورة الفرنسية مبدأها الثالث، الذي سيظل أثره في التاريخ حتى بعد تكالب القوى الأوروبية لإخماد الثورة الفرنسية، وهو مبدأ القوميات.
هذا التغيير الذي نشدته فرنسا في محيطها الأوروبي لم يتبلور سوى على يد نابليون بونابرت الذي وصل إلى العرش بعد عشر سنوات من الثورة، فعزم على أن يبني إمبراطورية فرنسية كبرى، يكون هو إمبراطورًا عليها، فجابت جيوشه معظم أوروبا من هولندا إلى سويسرا إلى إيطاليا وإسبانيا، وأخذ يُعين إخوانه وأصهاره ملوكًا على هذه الدول، وبذلك كان نابليون أول من انحرف عن قيم الثورة الفرنسية، إزاء ذلك هبت القوى التقليدية إلى عقد التحالفات لمواجهة فرنسا، وهو ما انتهى باحتلال باريس في الـ31 من مارس 1814، ونفي نابليون، وإعادة لويس الثامن عشر إلى عرشه.
الفكرة من كتاب التاريخ الدبلوماسي
إذا كنت تريد أن تعرف الحاضر وتتنبَّأ بالمستقبل، فعليك أن تقرأ التاريخ، ولما كان التاريخ هو ذاك العلم الذي يدرس التطور البشري في مجمله، ولما كان من العسير جدًّا أن نقرأ تطور التاريخ البشري في مؤلف واحد، فإن من الضروري تقسيم هذا التطور إلى أبعاد ومحاور موضوعية، نتمكن من خلالها تتبع التطور والتغير البشري في هذا المسار أو ذاك، وكتاب التاريخ الدبلوماسي هو أحد كتب التاريخ التي تتبع مسار البشرية في أبعاد تفاعلها على المستوى الدولي، خلال فترة زمنية مُحددة، كان لها تأثيرها البالغ في حياة كثير من الشعوب والأمم ولا تزال آثارها حاضرة حتى الآن.
مؤلف كتاب التاريخ الدبلوماسي
ممدوح منصور، وأحمد وهبان أستاذان في العلاقات السياسية الدولية، يشغل الأول – حاليًّا – منصب رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية، في حين عُيِّن وهبان عميدًا للكلية ذاتها.
لهما عدد من المؤلفات المشتركة، منها: مدخل إلى علم العلاقات الدولية، ومقدمة في العلوم السياسية. ولمنصور كتب حول: الصراع الأمريكي السوفييتي في الشرق الأوسط، وسياسات التحالف الدولي، والعولمة، أما وهبان فصدر له مؤلفات: الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر، والعلاقات الأمريكية الأوروبية.