الثورة التكنولوجية والعولمة
الثورة التكنولوجية والعولمة
على مدى التاريخ البشري كانت هناك أحداث جسام شكلت نقاطًا فاصلة في توجيه دفة العالم، كان من بينها اكتشاف الزراعة وما عُرف وقتها بالثورة الزراعية، ثم كانت الثورة الصناعية التي غيرت الكثير في الحياة الاقتصادية، وفي خضم تلك الأزمات والتعقيدات التي شابت النظام الاقتصادي الدولي مطلع السبعينيات من القرن الماضي كان العالم على أعتاب موجة ثورية جديدة ستغير وجهه إلى الأبد، حيث كانت تتشكَّل معالمها رويدًا رويدًا بمعزل عن ضجيج العالم الملتهب تُعرَف بالثورة التكنولوجية التي أحدثت بدورها نقلة نوعية في العديد من مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية على السواء.
ولعل أبرز مظاهر تلك الثورة التكنولوجية تمثَّلت في التطور الرهيب الذي أحدث ثورة في المعلومات والاتصالات مثلت بحق حاجزًا بين نمطين مختلفين من الحياة، فإذا كانت الثورة الصناعية استهدفت بالأساس قوة الإنسان وعضلاته فقد ركَّزت الثورة التكنولوجية على إحلال الآلة محل العقل البشري نتيجة التزاوج بين تكنولوجيا الحواسيب الإلكترونية من جهة وتكنولوجيا الاتصالات من الناحية الأخرى، وإذا أضفنا إلى هذا التزاوج التقدم الحاصل في علوم الأحياء والرياضيات والفيزياء نكون بذلك دخلنا عهدًا جديدًا من العلوم وأصبحنا أكثر مقدرة على فك غموض هذا الكون الكبير.
من هنا يمكن القول إن ظاهرة العولمة الاقتصادية التي سادت العالم هي تطور طبيعي للتقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات التي أسهمت بدورها في تقليل الأهمية النسبية للمواد الأولية في تحديد قيمة الإنتاج وأصبح العامل التكنولوجي هو الحل السحري لكثير من المشكلات الإنتاجية خصوصًا في ميادين البحث والابتكار، كما تسبَّبت تلك العولمة الاقتصادية في القضاء على الحدود السياسية ووضعت نهاية للحدود الجغرافية بين الدول، فالعالم اليوم بلغ درجة من الترابط حتى صار أشبه بقرية صغيرة، وليس أدل على ذلك من الواقع المعاصر، فما إن أعلنت الصين إصابتها بفيروس كوفيد 19 (كورونا) حتى أُصيبت بعدها بأيام معدودة باقي دول العالم بالعدوى مما ضرب الاقتصاد العالمي بالشلل.
الفكرة من كتاب النظام الاقتصادي الدولي المعاصر
الاقتصاد مرآة تعكس السياسة، فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد أن يؤثر في وضعه السياسي، وقد ثار جدل أزلي بين الاقتصاديين والسياسيين فيمَنْ يقود مَنْ أو مَنْ يؤثر أكثر في الآخر، ولكن يتفق الجميع أن فَهم أبجديات الاقتصاد العالمي يعد محددًا مهمًّا للوقوف على فهم السياسة العالمية اليوم.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي سبَّبتها جائحة فيروس كوفيد 19 (كورونا)، يقدم هذا الكتاب مراجعة حية للاضطراب التاريخي الحاصل في الاقتصاد العالمي، في سياق رؤية مفصَّلة للاتجاهات الاقتصادية والتجارية والجيوبوليتيكية التي حدَّدت الأطر الحاكمة للنظام الاقتصادي العالمي اليوم بدايةً من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة.
مؤلف كتاب النظام الاقتصادي الدولي المعاصر
حازم عبد العزيز الببلاوي: كاتب وعالم اقتصاد، ولد في 17 أكتوبر 1936، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1957، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية، من جامعة جرينوبل، بفرنسا سنة 1961، ودكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، جامعة باريس، بفرنسا سنة 1964، كما شغل سابقًا منصب رئيس الوزراء في مصر، ويشغل حاليًّا منصب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي.
حصل على وسام جوقة الشرف بدرجة فارس من حكومة فرنسا سنة 1992، ووسام ليوبولد الثاني بدرجة كوماندور من حكومة بلجيكا سنة 1992.
له العديد من المؤلفات أبرزها: “الاقتصاد العربي في عصر العولمة”، و”دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي”، و”نظرات في الواقع الاقتصادي المعُاصر”، و”نظرية التجارة الدولية”.