الثوار العرابيون.. الحماسة عدو الحكمة
الثوار العرابيون.. الحماسة عدو الحكمة
كان الأستاذ الإمام قد عاصر بدايات هذه الحركة الثورية، وأسدى النصح للعرابيين بتجنُّب الصدام مع الخديوي، وكان الإمام يخشى أن يستعين الخديوي بالمحتل الأجنبي ضد الثوار، وسعى في توفيق رؤية للإصلاح تجمع الفريقين على مذهب يكون التعليم وإصلاحه في مركزه، ولما أصرَّ العرابيون على مذهبهم، وقع ما تنبَّأ به الشيخ وضرب الأسطول الإنجليزي الإسكندرية، ولم يستطع محمد عبده حينها إلا أن يقف مع قومه ويدخل في معترك السياسة للمرة الأخيرة، ثم ينفى بعد الثورة وقد أدرك أن هذا النهج لا مستقبل له.
يعود الشيخ من منفاه وقد تيقَّن من فساد السياسة وزادت ثقته في منهجه الإصلاحي، ولكنه وجد الجامع الأزهر في وضع خامل مُعلَّق بين القديم والجديد، ومقيَّد بفتاوى تُريح جميع الأطراف وتزيل عنهم أعباء المسجد ومناهجه.
وقد عاصر الشيخ محمد عبده الجامع في عصوره الجامدة وعانى منه في مسيرته الكثير، فلما عُيِّن عُضوًا بمجلس إدارة الأزهر، بدأ يضع ملامح منهجه على مهل لتيسير الانتقال من عصر إلى عصر، وبدأ الشيخ بالأمور الإدارية التي كانت متروكة للتقليد والعرف، فنظم الجرايات واعتنى بضرورات الصحة في المسجد، والأهم إضافة المواد الجديدة إلى المناهج الأزهرية، ومع كل هذه الإصلاحات فقد ظهر للشيخ تمام مراده، حتى وإن عُزِل أو نُفي، فقد حقَّق ما يريد ولا يهم، لكن الطبقات القديمة في الجامع كانت غير راضية عن تلك التغييرات، ووجدت في القصر الملكي عونًا لها، حيث شعر الخديوي بشيء من سلطته ونفوذه في الأزهر يذهب مع هذا التنظيم ولن يستطيع التصرف بشيء من أوقافه بعد الآن، ووجد الجميع راحتهم في عودة الأمور إلى ما كانت عليه، ونُحِّي الشيخ محمد عبده من منصبه مع مشاريعه الإصلاحية كذلك.
الفكرة من كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
الأستاذ محمد عبده الإمام المُجدِّد والأديب المُصلح، هو من تلك الشخصيات التي تترك أثرها أينما ذهبت، وتصبغ زمنها بطبيعتها ولا يعود المجتمع بعدها كما كان قبلها، شاء الله أن يُعاصر الإمام محمد عبده عصر السياسة في تاريخ مصر الحديث، وأن يستشف الخفي منها في بواكير حياته، حتى ينفر منها كليةً، ويدخل إلى ميدان آخر سيشهد على أثره، ويؤدي فيه الإمام ما عليه لدينه ودنياه، هنا يركِّز الأستاذ العقاد بشدة على أحوال العصر الذي كان فيه الإمام، ليوضِّح العواقب التي اضطر إلى مجابهتها، والفارق الذي أحدثه فيه بحركته ونشاطه.
مؤلف كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
عباس محمود العقاد: وُلد في أسوان عام 1889 م، ونشأ في أسرة فقيرة، فلم يتعدَّ في تعليمه المرحلة الابتدائية، ولكنه اعتمد على ذكائه في تكوين ثقافة موسوعية، وتعلَّم اللغة الإنجليزية في طفولته من مخالطته الأجانب الزائرين لأسوان.
اشتغل بالسياسة في فترة من حياته، وانتُخِب كنائب للبرلمان ثم سجن تسعة أشهر بتهمة “العيب في الذات الملكية”، عُرِفَت عنه معاركه الأدبية مع كبار مفكري عصره مثل: الرافعي وطه حسين، وقد أسَّس مع عبدالقادر المازني وعبدالرحمن شكري “مدرسة الديوان” الشعرية.
للعقاد العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية نذكر أهمها:
سلسلة العبقريات.
كتاب “ساعات بين الكتب”.
كتاب “التفكير فريضة إسلامية”.
ديوان “أعاصير مغرب”.
ديوان “عابر سبيل”.