الثقافة الجاهلة
الثقافة الجاهلة
من الاقتصاد إلى الذي يخدمه؛ الفن.. فقد صار الفن هو الآلية التي توظِِّفها النقود لتُخبر عن نفسها.. إن الفن والثقافة صارا أكثر الأشياء التي تتجلَّى فيها التفاهة بصورتها المُنحطَّة؛ سواء كان ذلك في الصحافة والإعلام والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ صارت السلع الثقافية سببًا في تشكيل الجماهير، وفي توحيد أذواقهم وذلك وفق أيديولوجيا مُحددة.
فتظهر التفاهة في الصحافة أنها تختار ما يُلائم توجهها لتقديمه، ثم تبسطه في عنوان عريض يمتلئ بالانفعالات، أو أنها تُلاحق المشاهير -التافهين أيضًا- لتُقدِّم حياتهم ويومياتهم على أنها شيء يستحق أن يُقرأ، كما أنها أظهرت فئة “الأميين الجدد” الذي لا يقرؤون الكُتب ولكنهم يحبون المجلات والصحف، إنهم يحمون أنفسهم من مشقَّة القراءة، ولا يريدون لعقولهم أن تتعب قليلًا، بل وحتى الكُتب، صار أدب العصر هو البساطة والتكرار والنمطية وإشباع القارئ بالمشاعر الوجدانيَّة، دون أن تُقدِّم له قيمة حقيقية.
أما التلفاز فما عادت الشاشة تُقدِّم نفسها كإعادة إنتاج للعالم، بل صارت نافذة مُطلَّة عليه تعرض للمُشاهد ما تريد لا ما يريد، كما أن التلفاز صار وسيطًا بين الناس في العلاقات الاجتماعية، وصارت القنوات تحل محل ذلك الترابط، فإننا من خلال التلفاز نستطيع مُباشرة الذوق العام، نرى تصدُّر جميلة بلهاء أو وسيم فارغ يُقدِّم لنا منتجًا وضعيًّا لا قيمة له.
أما الفنانون فإنهم مجرد أدوات لخدمة السوق، فحتى تصبح فنَّانًا لا بد أن تتحوَّل معاييرك إلى معايير المستثمرين، أنت كفنان مورد بشري لقطاع الثقافة، والجمهور ما هم إلا مُستهلكون.
وأخيرًا شبكات التواصل الاجتماعي، والتي كوَّنت عقلًا جمعيًّا لا يقبل إلا التسطيح، لقد كوَّن الناس آراءهم حول أشياء تحتاج إلى مناظرات وخطابات من خلال منشور سريع، كما نجحت هذه المواقع في “ترميز التافهين” فجعلت من الفاشينستات والتافهين يظهرون بمظهر “النجاح” لأنهم يملكون المال فحسب، فألغت بذلك معايير النجاح الحقيقية.
الفكرة من كتاب نظام التفاهة
حينما تفتح التلفاز فتُشاهد “الفنانة” المُلوَّنة تُقدِّم نصائح زوجية، فتسأل ما الذي جعل الفنانة مُرشدة مجتمعية؟ أو حينما تتأمَّل في الفيلم أو مقطع اليويتوب الأكثر مشاهدة ثم تسأل: لماذا هذا العدد الضخم من المُشاهدات لهذا النوع من المقاطع والأفلام؟ فإن هُناك سمة مُشتركة بين هذه الفنانة وهذا الفيلم وهذا المقطع؛ إنه التسطيح والفراغ القيمي.
إننا في عصرٍ يطلب منك ألا تُفكِّر كثيرًا، يجب ألا تكون عميقًا أبدًا، كُل الأشياء في حقيقتها بسيطة لا تتطلَّب منك سوى فنجان قهوة وكتاب عنوانه غير مفهوم، أنت الآن مثقف، أنت الآن مُتحدِّث جيد حول القضايا المُهمة.
في كتابنا يأخذنا الكاتب إلى رحلةٍ شيِّقة مؤلمة بعض الشيء ليُظهر طبيعة العصر الذي نعيش فيه، فنعرف خطر المُنزلق الذي يزداد انحدارًا يومًا بعد يومًا على عدة مستويات؛ فيضعنا أمام حقيقة مُشاهدة لكن لا أحد يعبأ بخطورتها!
مؤلف كتاب نظام التفاهة
الدكتور آلان دونو: أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس، وله اهتمام كبير بالتصدِّي للرأسمالية والعولمة، اشتهر بكتابِه Noir Canada ويعني “كندا السوداء”، والذي هاجم فيه شركات صناعات التعدين الكندية هجومًا قويًّا بسبب عمليات الفساد والنهب التي قامت بها في أفريقيا.
من مؤلفاتِه: Imperial Canada Inc.: Legal Haven of Choice for the World’s Mining Industries
معلومات عن المُترجمة:
مشاعل الهاجري: أستاذة القانون الخاص بكلية الحقوق جامعة الكويت، حاصلة على دكتوراه في القانون المدني المُقارن من جامعة “إسيكس” في المملكة المُتحدة، ونالت جائزة “جامعة الكويت لأفضل باحث من أعضاء هيئة التدريس للشباب”، عام 2008.
ألَّفت كتاب: “قانون العمل الكويتي الجديد”.