الثقافة الاصطناعية
الثقافة الاصطناعية
لقد احتار الفلاسفة القدامى في توصيف العقل البشري حيث اعتبره أفلاطون مستقبلًا يتلقى مُثُله العليا من السماء، بينما أتى كانط ليلقي عليه نوعًا من القدرات الذاتية الكامنة التي تمكنه من إجراء بعض العمليات الذهنية، وأوضح هيوم أن العقل ما هو إلا مسرح للانطباعات والأفكار، أما متخصِّصو الذكاء الاصطناعي فيرون أن العقل هو شبكة كثيفة ويتكوَّن من الذاكرة ومعالجة المعلومات ويمكن محاكاته عن طريق شبكات اصطناعية مثيلة ووحدات معالجة إلكترونية للمعلومات تحاكي في عملها المهارات الإنسانية المعتادة.
لذلك يمكن القول إن صفة الذكاء اليوم لم تعد حكرًا على الطبيعة الإنسانية وحدها، بل أصبح بالإمكان الآن اكتساب الآلات نوعًا من الذكاء والوعي الاصطناعي الخاص بها، وبهذا ظهر لنا ما يسمى بفكر الآلة والتي تشير إلى اندماج الطبيعة مع الآلة، وحتى تصل التكنولوجيا إلى هذا السبق العلمي كان عليها استكشاف الجسم البشري والاطلاع على أخص خصائصه البيولوجية لكي تتمكَّن من محاكاته ولو جزئيًّا، ومن ثم تنثر تلك المعرفة الإنسانية على الآلات والأدوات والروبوتات، ومع التقدم التكنولوجي دخلت الآلات الذكية المخ البشري لتعمل على تعزيزه عبر زرع شرائح صغيرة داخل الدماغ.
ومن هنا انتقلت البحوث من آلة الفكر إلى فكر الآلة، فرغم أن العلماء فيما مضى انصبَّت أبحاثهم على استكشاف العقل البشري بكل متناقضاته وسراديبه، فإن العصر المعلوماتي اليوم والذي امتاز بتدشين العقل الاصطناعي نقل اهتمامات العلماء إلى تلك الآلات العجيبة وتطوير تلك الأساليب الاصطناعية، وباتت الاتجاهات تسير نحو الارتقاء بما يمكن تسميته بالثقافة الصناعية للجمادات وإكسابها وعيًا خاصًّا بها يمكِّنها من التأقلم مع العالم البشري وتوليد ردود الفعل المناسبة إزاء المواقف المختلفة، ولذا أصبح من المنطقي في ظل عصر المعلوماتية اليوم أن تزداد أهمية رأس المال الذهني على نظيره المادي.
الفكرة من كتاب الثقافة العربية وعصر المعلومات
تعد ثقافة أي مجتمع إحدى أهم دعائم وجوده التي يستند إليها، كما تمثِّل الإطار الخارجي الذي يُكسِب المجتمع طابعه الخاص المميز له عن غيره ويحميه من الذوبان في المجتمعات الأخرى، ولكن جاءت ثورة تكنولوجيا المعلومات لتقلب جميع المفاهيم رأسًا على عقب، وتصطدم اصطدامًا مباشرًا مع العقلية العربية السائدة اليوم، لذا كان هذا الكتاب بمثابة محاولة نحو تناول المشكلة التكنولوجية العربية من منظور ثقافي بحت.
مؤلف كتاب الثقافة العربية وعصر المعلومات
الدكتور نبيل علي: رائد معالجة اللغة العربية حاسوبيًّا وتعريب نظم المعلومات على المستويين العربي والعالمي، وحاصل على دكتوراه في هندسة الطيران، يعمل أكثر من 30 عامًا في مجال الكمبيوتر ونظم المعلومات برمجةً وتصميمًا وإدارة، كما أن له أكثر من 15 دراسة في مجال التنمية المعلوماتية بالوطن العربي لمنظمات أليكسو، والإسكوا، واليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كما أن له عدة كتب في مجال المعلوماتية منها “اللغة العربية والحاسوب”، و”العرب وعصر المعلومات”، و”تحديات عصر المعلومات”.