الثقافات المتفرِّعة عن ثقافة القهر
الثقافات المتفرِّعة عن ثقافة القهر
أولها ثقافة الفقر، إذ نجد أن ثقافة الفقر هنا تدور حول وجه اجتماعي واقتصادي للقهر سواء من قهر الطبيعة وفقدان السيطرة عليها أو قهر الإنسان الذي يتخذ شكل علاقات اجتماعية واقتصادية هرمية وتراتبية أساسًا، إذ تنبني ثقافة الفقر على الخير المحدود والموارد المحدودة والقلق الدائم، ما أدَّى إلى اضطهاده للآخرين الذين حظوا بنصيب أكبر وحظ أكبر، وثاني تلك الثقافات هي ثقافة الزحام؛ وتعدُّ ثقافة الزحام الزاوية المكملة لثقافة الفقر والقهر، إذ إنه في ظل الفقر والقهر تجمَّع الناس وتلاصقوا في محاولة لتحقيق الأمن سواء في القرى وحالتها العمرانية أو الأماكن العشوائية من ناحية أخرى، ما يؤدي بالفرد إلى التنافس مع الآخرين ليجد لنفسه موطئ قدم له بغضِّ النظر عن الآخر، ما يجعل ثقافة الزحام أداة تحليلية لبعض السمات المتغيرة للشخصية المصرية، وثالثًا ثقافة التكيف والمقاومة؛ وهي ثقافة أخرى ولَّدتها ثقافة القهر، فهي تتخذ أشكالًا سلبية، كالتحايل على السلطة والقوانين والتحايل على المعايش والتكامل والجريمة والانحراف وغيرها، فهي تتخذ أشكالًا من العنف الموجَّه نحو الآخر بكل الصور كالحقد والغيرة وغيرهما، وتتخذ المقاومة أيضًا أشكالًا رمزية في مواجهة القهر كما ذكرنا سابقًا النكت والتشنيعات، لذلك تجدها وسيلة يلجأ إليها الناس لمواجهة ظروفهم سواء في التكيف معها أو التمرد عليها، ثم تأتي ثقافة التمفصل الثقافي، والتي تشير إلى عدم التجانس والتوازن في البنية الثقافية، بل والنفسية أيضًا، والذي يأتي من عدم التجانس الاجتماعي المصري، ويعد أداة لفهم وتفسير التناقض والتداخل في الثقافة المصرية، وآخرهما إشكالية أركيولوجيا الشخصية المصرية، وتأتي مهمة هذا المفهوم حول إشكالية الاستمرار والانقطاع في الشخصية المصرية الذي كان أساسه التغير الذي حدث في اللغة والدين، إذ تعرَّض المصري إلى تغيير دينه أكثر من مرة وكذلك لغته أيضًا، وهذا يؤدِّي بنا إلى أن ثمة عوالم ثقافية يفترض أن تكون تعرَّضت للتغيير أيضًا، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الحديث عن استمرارية الشخصية المصرية لا ينقطع، ومظاهر الاستمرار أكثر من ملامح التغير والانقطاع.
الفكرة من كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
استنادًا إلى مفاهيم ذات بعد ماركسي، يحاول أستاذ علم الاجتماع عرض أحوال الشخصية المصرية بشكل عام وثقافيًّا بشكل خاص، معتمدًا على فكرة محورية لتفسير صفات المصري القديم حتى الشخصية المصرية الحالية، وهي كونها رد فعل تلقائيًّا لعمليات القهر الممنهجة ضده منذ قديم الأزل مع وصف الآليات الدفاعية المختلفة التي ينتهجها ضد أشكال القهر وما يترتب على تلك الآليات من سلوكيات إيجابية أو سلبية تلتصق بالشخصية المصرية ليست ناتجة عن حتميات طبيعية.
مؤلف كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
الدكتور محمود عودة: أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ونائب رئيس جامعة عين شمس ورئيس لجنة قطاع الآداب بالمجلس الأعلى للجامعات.
ومن مؤلفاته:
تاريخ علم الاجتماع.
أسس علم الاجتماع.
الصين الشعبية.