التوحد بالمعتدي
التوحد بالمعتدي
يرجع سبب شعور اليهودي بالاستعلاء أولًا إلى إيمانه بأنه ينتمي إلى شعب الله المختار، وثانيًا ردّ فعل طبيعي للإحساس بالدونية، فتكون النتيجة أنه يستأسد على الأضعف، ومن ثم تنشأ حالة من التوحد بالمعتدي ويتحول اليهودي إلى أسوأ نسخة من كوابيسه، فبدلًا من نبذ النازية اتخذها مثلًا أعلى وأصبح اليهودي الضحية نازيًّا له ضحاياه، لكن القصة لا تنتهي هنا، فمع كل عملية قتل جديدة يرى اليهودي نفسه مقتولًا في ضحاياه، تطارده الصورة التي طالما هرب منها فتزداد ضراوة القتل وتتفاقم شراسة القاتل، والكتابات الإسرائيلية زاخرة بما يثبت صحة ذلك، فيقول الحاخام أبراهام أفيدان لطلابه: “من واجبكم طبقًا للشريعة أن تقتلوا المدنيين الطيبين، أو بمعنى أصح الذين يبدون طيبين، يجب عليكم أن تقتلوا أفضل الناس من غير اليهود”، ومن ناحيته يقول مناحم بيجين: “لولا النصر في دير ياسين لما كانت هناك دولة إسرائيل”، لاحظ كيف سماه نصرًا!
كيف يمكن تنشئة كل الأجيال الإسرائيلية على هذا الحقد؟ للأسرة دور طبعًا لكنه لا يكفي، لذلك عمل صانعو المجتمع الإسرائيلي على إنشاء مؤسسات تنشئة اجتماعية أخرى من أجل تحقيق ما لم تنجح الأسرة في تحقيقه، فاستُخدمت المؤسسات التعليمية والعسكرية والدينية في تدعيم الانتماء التاريخي ليهود إسرائيل إلى التاريخ اليهودي القديم، والتاريخ العبري الذي يدرس ونصوص التوراة التي تُنتَقى شاملة بشكل رئيس لحكاية خراب الهيكل وعنف الإسرائيليين في مواجهة أعدائهم الذين لم يكفوا أبدًا عن العدوان عليهم، كما جرت محاولات كثيرة لاستخدام الديانة اليهودية محورًا جامعًا للمجتمع الإسرائيلي لكنها باءت بالفشل، ومع ظهور جيل الساباريم من اليهود الذين ولدوا في الأراضي المحتلة والذين ارتبطوا بإسرائيل بصفتها وطنًا وليس نتيجة اعتقاد أيديولوجي أو إيمانًا بالصهيونية، خشي صناع المجتمع الإسرائيلي من مستقبل يفرغ الإسرائيلي من صهيونيته، لذلك عمدوا إلى سياسة أشد صرامة في ما يخص تنشئة هذه المجموعة بالذات.
الفكرة من كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
يحكي الكتاب باختصار تاريخ الشخصية اليهودية من ثقافة الجيتو | Ghetto التي فرضت عليها العزلة عن باقي المجتمعات، ثم التمرد على تلك الثقافة والمحاولة الفاشلة للتماهي في المجتمع لتتمخض عن ظهور حركة الصهيونية.
سعت الحركة الصهيونية إلى إقناع اليهود أن العالم شرير وأن العزلة هي الحل الأمثل لحماية الشعب اليهودي المختار من براثنه، لذلك انتهجت سياسة تعسفية تجاه مواطنيها عمدت إلى إنشاء الكيبوتسات لعزل الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم لتتأكد أن القومية الإسرائيلية لن تحل محل القومية اليهودية، ومن ثم لن يسعى أي جيل يهودي إلى السلام.
مؤلف كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
أسامة عكنان: كاتب وباحث سياسي فلسطيني أردني، وُلد في مدينة نابلس عام 1970م، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2003م، ويعمل حاليًّا أستاذًا مساعدًا في قسم العلوم السياسية في جامعة مؤتة الأردنية، اشتهر بكتاباته النقدية للفكر الصهيوني والسياسة الإسرائيلية، وقد نشر عديدًا من الكتب والمقالات في هذا المجال، منها:
الفكر الصهيوني: جذوره وتطوره.
إسرائيل: القوة والضعف.