التوازن
التوازن
يمكن إجمال تأثير التشتت الرقمي الناجم عن التقدم التكنولوجي الهائل بإعادة البرمجة للأدمغة وما نجم عنها من استنفاد للطاقة، ولا يوجد في هذه الحالة إصلاح سريع، ولكن استعادة التركيز والسيطرة على الحياة فيما يُعرف بالتطهير الرقمي يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت، ومن بين البدائل المعروفة لاستعادة التركيز ممارسة التأمل أو ما يُعرف باليوجا.
و”يوجا” هي كلمة هندية وتُعرف بأنها اتحاد بين العقل والجسد والوعي والدوافع، وإحدى الممارسات التي تتضمَّنها هي أسلوب التنفس العميق، مما ينشط الجهاز العصبي اللا إرادي وطرد الإرهاق لإعادة التوازن مرة أخرى، ولا يعني تكرار تلك الممارسات أنه سيتم القضاء على التشتت كُليًّا، ولكن يكون الإنسان قادرًا على ملاحظة المشتتات بصورة أكبر ومن ثم إعادة التركيز على المهام المطلوبة، ومن الضروري ترك مساحات من الوقت لا لفعل شيء ولكن لأجل الصمت والتأمل.
وهناك طريقة أخرى لتجديد الطاقة عن طريق التفكير في الأشياء من منطلق السرعة في مقابل البطء، يقول كارل هنري: “إن التفكير السريع هو ما نفعله تحت ضغط مرور عقارب الساعة، والتفكير البطيء هو ما نفعله عندما يتوافر لنا الوقت الكافي لترك الأفكار تنضج على نار هادئة”، ويساعد التفكير الهادئ على الهدوء الداخلي وتحسين التركيز والقدرة على التفكير بطريقة إبداعية، وما أحدثه العصر الرقمي هو ثقافة الرد الفوري حيث لا يوجد وقت للتفكير بتأنٍّ.
ويُعد قضاء بعض الوقت في الطبيعة إحدى طرق استعادة التركيز وتحسين الإدراك؛ فهو بمثابة علاج لا يسبب أية آثار جانبية، فالبيئة الحضارية مليئة بالمحفزات التي تجذب الانتباه بشكل جذري فيما يُعرف باسم الانتباه الموجه أو الانتباه اللاإرادي، مما لا يدع فرصة لفكرة التفريغ والشحن من خلال الاسترخاء والتأمل، ويستخدم الانتباه الموجَّه في كبت الحوافز المشتتة وهي إحدى الوسائل الضرورية لإعادة تجديد الانتباه، والحياة الرقمية مشابهة للبيئة الحضارية، لذلك يجب أن نعي أسباب المشتتات حتى يتسنى لنا تجنُّبها.
ويكمن وجه التشابه بين الحياة الرقمية والحياة الحضارية في أن الحياة في المدينة الكبيرة يتقارب الناس بعضهم من بعض بشدة في الشوارع المزدحمة، ولكنهم في الوقت ذاته بعيدون كل البعد بعضهم عن بعض، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي يوجد بها عدد هائل من الأشخاص ومع ذلك لا يمكن التحدث إلى أيٍّ منهم ونشعر بالوحدة.
الفكرة من كتاب مصيدة التشتت: كيف تركز في فوضى العالم الرقمي
متى كانت آخر مرة عكفت فيها على إنجاز عمل ما بكامل تركيزك دون تشتُّت بسبب هاتفك الذكي أو بريدك الإلكتروني أو شبكات التواصل الاجتماعي؟ هذا الكتاب هو جرس الإنذار، تبيِّن فيه الكاتبة خطورة ما تفعله التكنولوجيا بأدمغتنا وذاكرتنا ووقتنا وعلاقاتنا الاجتماعية الحقيقية، وتقدِّم طريقة الإقلاع عن إدمان الوسائل الرقمية وكيفية إنجاز المهام على نحو لائق وتحسين جودة العمل والعلاقات وتحقيق الأهداف.
مؤلف كتاب مصيدة التشتت: كيف تركز في فوضى العالم الرقمي
فرانسيس بووث Frances Booth: رائدة من رواد الأعمال البارعين في مجال التكنولوجيا، نشأت في مدينة نيوكاسل بشمال إنجلترا، درست العلوم الاجتماعية والسياسية في جامعة كامبريدج، وحصلت على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة شيفيلد، شغلت منصب صحفية لمدة ثماني سنوات بجريدتي الديلي تليجراف والجارديان، ولها العديد من المحاضرات عن التشتُّت الرقمي، وتدير موقع here are some words.