التهادي والاستئذان
التهادي والاستئذان
مِمَّا هدانا إليه رسول الله هو التهادي، أي إعطاء شخص هدية تعبر عن محبتك له مادية أو معنوية، فكان (صلى الله عليه وسلم) يقبل الهدية ولا يرد مُقدِّمها له، فعن عائشة قالت: “كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقبل الهدية ويُثيب عليها”، وكان يهدي الهدايا لمن يدعوهم لدخول الإسلام ومن دخلوا الإسلام حديثًا، وأيضًا كان يُعطي لأصحابه، فقد أعطى لسيدنا عمر بن الخطاب مالًا، وكان يُهدي إلى من يطلب منه هدية ولا ينتظر مقابلًا من أحد، وكان الرسول يقبل الهدية وليس الصدقة، وكان لا يهتم بقيمة أو حجم الهدية ويقبل كل الهدايا ما دامت بعيدة عن المُحرمات ولم يقبل هدايا المشركين، وأمرنا ألا نسترد هدية أُهديت لأحد أو أن نأخذ هدية مقابل خدمة فعلناها لأحد، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): “من شفع لأخيه بشفاعةٍ، فأهدى له هديةً عليها فقبلها، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبوابِ الربا”، وكان إذا أتاه هدية ثمينة أهداها للآخرين لأنها قد تثير غيرتهم وحزنهم.
ومن أهم سلوكيات النبي (صلى الله عليه وسلم) القويمة التي كان يفعلها هي الاستئذان، فالبيوت خاصة بأصحابها لها حُرمة فوجب الاستئذان قبل دخولها، ويُعرِّف عن نفسه، وأن يُدق الجرس ثلاث مرَّاتٍ لا أكثر، وعدم الوقوف أمام الباب مباشرةً، وعدم النظر بتفحُّص داخل البيت عند دخوله، فعن ربعي أنَّ رجلًا من بني عامرٍ استأذنَ علَى النَّبيِّ (صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ) وَهوَ في بيتٍ فقالَ: أألجُ فقالَ النَّبيُّ (صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ) لخادمِه: اخرج إلى هذا فعلِّمهُ الاستئذانَ، فقلَ لَه قل السَّلامُ عليكم أأدخلُ؟ فسمعَه فقالَ السَّلامُ عليكم أأدخلُ؟ فأذنَ لَه النَّبيُّ (صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ)، فدخلَ، ولا يجوز للأطفال دخول غرفة والديهم إلا بعد استئذان وبخاصةٍ في هذه الأوقات الثلاثة قبل صلاة الفجر وعند الظهيرة وبعد صلاة العشاء كما قال الله (عز وجل): ﴿وإِذا بلغَ الأطفالُ منكُمُ الحُلُم فليستأذِنوا﴾ (سورة النور).
الفكرة من كتاب المأدبُة النبوية في آداب الحياة اليومية
هذا الكتاب يدور حول النواحي البشرية واليومية للرسول (صلى الله عليه وسلم) وآداب معيشته من مأكله ومشربه وملبسه وسلوكياته جمعاء، فعند دراسة حياة أحدهم -ورسول الله ليس كأي أحد من الخلق فهو خير الخلق وأكملهم- يجب على المرء أن يُعايشه كُليةً، ولأننا أُمِرنا بأن نتخذه أسوة حسنة في حياتنا كما قال الله (عز وجل): ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (سورة الأحزاب: 21) وجب دراسة سيرته بأكملها ومعايشتها، وبمعنى أدق تناول علم الحديث بأكمله من أفعال وأقوال وسلوكيات نبي الله حتى نتربى على نهجه ونتعلم بوصاياه وننتهي عما نهانا عنه، بل أيضًا نربح ثمرة الاقتداء بنبي الله واتباعه ونُحسن تعليم خُلُقه، فحين سُئلت السيدة عائشة عن خلق الرسول (صلى الله عليه وسلم) قالت: “كان خُلُقُه القرآن”، فها هي سيرة رسول الله العطرة التي لا يُعايشها مسلم إلا ويخرج منها مُهذَّب النفس والخُلق وحسن السلوك.
مؤلف كتاب المأدبُة النبوية في آداب الحياة اليومية
مصطفى كوندو غدو وُلد في غرب تركيا، التحق بكلية الإلهيات، وبعد تخرُّجه انشغل بالعلوم والتجارة فترة، ثم أنهى الماجستير في علوم الحديث بكلية الإلهيات جامعة صقاريَا، ويعمل في دار “إِشقْ” للطباعة والنشر والتوزيع.