التنويم اللغوي!
التنويم اللغوي!
وكما يتلاعب بعض المحتالين بالجماهير من خلال ما يُعرف بالتنويم المغناطيسي، فإنك أيضًا تستطيع أن تتلاعب بمن تناقشه باستعمال الإيحاء، وهو تنويم مغناطيسي أيضًا لكن عن طريق اللغة وأشياء أخرى، فتدفع مَن أمامك إلى اتخاذ قرارات وإصدار أحكام وتحصره في منطقة معينة تنتزع منه فيها الإجابة التي تريد بأقل مجهود!
جميل جدًا،كيف يتم ذلك إذًا؟
اللغة وأشياء أخرى كما ذكرنا، فمن خلال تكرار الرسالة التي تود إيصالها إلى الطرف الآخر بطريقة جازمة واثقة وبهيئة ومظهر خارجي يوحي بالوجاهة، تستطيع إقناع من أمامك بما تريد بغض النظر عن صحته أو بطلانه ودون الحاجة إلى تقديم دليل أو برهان عليه.
وهذا الأسلوب يستعمله كثير من المرشحين السياسيين أو العلماء الذين لهم باع طويل في العلم أو الأساتذة المعلمون أيضًا، ويقع ضحيته كثيرون نتيجة لعدم إدراكهم لهذا الأسلوب، ولأن الإنسان أصلًا بداخله قابلية للانقياد لمثل هذا الأسلوب التأثيري، وقد يلجأ بعضهم إلى تقديم الأسباب التي بنى عليها قوله أو أسس عليها مَنطِقه، ليعطي مساحة للطرف الآخر أن يتفكر فيها ويقارنها بما يعرف ويدلل عليها، إلا أن المعظم يلجأ إلى الحل الأيسر والأسهل وهو مجرد تكرار القول أو الفكرة التي يود إيصالها بلهجة الواثق الحازم، وبكلمات مختلفة متغيرة تفيد نفس المعنى، حتى لا يمل السامع وحتى يغطي على طريقته في إقناعه.
قد يستعمل المتبع لهذا الأسلوب طرقًا أخرى أيضًا في عرض أفكاره، كأن يعرض أسئلته متضمنة للإجابة المنفية أصلًا، حتى يقود من أمامه إلى الإجابة الأخرى التي يريدها، بل وقد يستعمل أسلوبًا في الأسئلة في أثناء النقاش تكون الإجابة فيه بنعم أو لا، ليست المشكلة هنا، المشكلة في أن السؤال نفسه يحتمل جوانب عدة، كل جانب منها بحاجة إلى أن يُجاب عليه وحده، أي أن السؤال بحاجة إلى تقسيم وتجزئة أولًا ثم إلى الإجابة عن كل شق منفردًا.
وكما ذكرنا فإن القوة والثقة والتأثير الحاصل من هذا الأمر يكون نتيجة الوجاهة والمكانة التي يعتمد عليها الطرف الآخر، فالعالم الذي له مجال طويل في العلم إذا تحدث بنظرية أو أخرج قانونًا قد لا يحتاج في كثير من الأحيان إلى أن يقدم أدلته وبراهينه خصوصًا إذا كان يظن أنه لن يأتي أحد ويعارضه أو ينقض نظريته، والحاصل في معظم الأحيان عكس ذلك طبعًا.
هل هذا يعني أن الإيحاء أسلوب خاطئ؟ بالطبع لا، فله استعمالاته، فهو كما ذكرنا من الأساليب القوية في التأثير والإقناع، لكن إن كان المستعمل له ذا عقل أمين يرغب في إيصال رسالة صحيحة وعرض فكرة جيدة على من يخاطبه.
الفكرة من كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
ينشأ الخطأ في التفكير ابتداء من الخطأ في فهم الآخر وفهم الطرق والأساليب التي يستعملها في إيصال أفكاره، وفي هذا الكتاب يناقش الكاتب تلك الطرق والأساليب التي تقودنا نحو تفكير مستقيم أو تفكير خاطئ أعوج مستندًا في ذلك إلى عديد من الأمثلة، خصوصًا السياسية منها.
مؤلف كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
الدكتور روبرت هنري ثاولس، أستاذ في جامعة كمبريدج، عمل محاضرًا لعلم النفس في جامعتي مانشستر وجلاسجو، وله مؤلفات في علم النفس منها:
سيطرة العقل
علم النفس العام والاجتماعي
معلومات عن المترجم:
حسن سعيد الكرمي، خريج الكلية الإنجليزية في القدس، والتحق بإدارة المعارف في فلسطين معلمًا للإنجليزية، وعند انتهاء الانتداب البريطاني عمل مراقبًا بالإذاعة البريطانية في لندن، وألف كتبًا باللغة الإنجليزية عن فلسطين.