التنبؤ بالسلوك البشري
التنبؤ بالسلوك البشري
في عام 2007م أعلن الجيش الأمريكي عن تدمير 4 طائرات هليكوبتر تابعة له في العراق، وكان هذا لأن بعض الجنود نشروا صورًا لهذه الطائرات على مواقع التواصل الاجتماعي بها معلومات دقيقة جدًّا عن مكانها، وقد تعرضت القوات لخسائر أخرى في عام 2009م بعد أن استهدفت عناصرُ من طالبان الجنودَ في أفغانستان بعدما جمعت معلومات عنهم من خلال الصور والرسائل التي ينشرونها على فيسبوك، ونتيجة لهذا أعد الجيش الأمريكي كُتَيِّبًا من 52 صفحة يحتوي على تعليمات للجنود وعائلاتهم يُوضح كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه المواقع لم تعد تقتصر على كونها مكانًا لتبادل التهاني والمحادثات بين الأصدقاء، بل تعدَّت هذا الأمر وأصبحت مصدرًا لجمع المعلومات والاستفادة منها حسب الجهة، في ما يُعرف بالاستخبارات المفتوحة المصدر.
ويعتبر ما تنشره الصحف من أخبار وتقارير مصدرًا ثريًّا للتنبؤ بما قد يحدث من اضطرابات وانقلابات سياسية، ومن أشهر هذه الأمثلة الدراسة التي نشرت في عام 2011م لـ”كاليف ليتارو” خبير الإعلام الرقمي في جامعة “إلينوي” بالولايات المتحدة الأمريكية، التي جمع فيها ما يزيد على 100 مليون خبر وتقرير صحفي من أرشيف الحكومة الأمريكية، تعلقت هذه الأخبار والتقارير بالأوضاع الداخلية لمعظم الدول منذ عام 1945م حتى عام 2011م، وباستخدام برامج التحليل الآلي للنصوص صنّف الأخبار حسب معيارين: الأول هو نغمة الخبر واتجاهه لتحديد الوضع الذي يعكسه سواء كان إيجابيًّا أم سلبيًّا، والثاني هو مكان الخبر لتحديد الدولة التي تقع فيها الأحداث الواردة
ومن خلال هذه النتائج رسم “ليتارو” مُنحنًى زمنيًّا لكل دولة ليبيّن التطور التاريخي للنغمة السائدة من خلال الأخبار التي تتعلق بها، وقد كان نصيب مصر من هذه الأخبار 53 ألف خبر، وقد أظهرت التقارير أن الأوضاع وصلت في مصر إلى أسوأ حالاتها في الشهر الذي سبق بداية اندلاع ثورة 25 يناير التي انتهت بتنحي “مبارك” عن الحكم في 11 فبراير، وحدث الشيء نفسه في 1991م عندما غزا “صدام” الكويت، وفي عام 2003م عندما غزت الولايات المتحدة العراق.
الفكرة من كتاب برج مغيزل: مواقع التواصل الاجتماعي ومواسم الونس والإدمان والهجرة
إن رغبة الإنسان في أن يتواصل مع الآخرين وأن يتفاعلوا معه قوية وقديمة، وقد بدأت هذه الرغبة منذ أكثر من 400 ألف عام حينما كان الإنسان يجتمع مع أهله حول نار الموقد يسرد القصص والحكايات، وتشكلت من هنا رغبته في البوح والوَنَس، وقد علمت الشركات التي أنشأت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أن لهذه الرغبة أثر الإدمان فاستغلتها، ومن وقتها تحول التاريخ، فصارت السلطة ولأول مرة بيد مجموعة قليلة من الأفراد، وصار العالم في حالة من السيولة المُصاحبة لعالم قديم يريد أن يبقى وعالم جديد يُولد ليدافع عن حقوقه.
مؤلف كتاب برج مغيزل: مواقع التواصل الاجتماعي ومواسم الونس والإدمان والهجرة
خالد الغمري: أستاذ مساعد اللُّغويات الحاسوبية بكلية الألسن بجامعة عين شمس، حاصل على الدكتوراه من جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية، شارك في تأسيس “مرصد المحتوى العربي على شبكة الإنترنت” التابع لـ”مؤسسة الفِكر العربي”، و”منتدى وسط غرب أمريكا للغويات الحاسوبية”.
له عدد من المقالات التي نُشرَت بجريدة الأهرام، وتناولت الحديث عن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات وأثرها في الثقافة والمعرفة والمجتمع والسياسة، كما قدم عديدًا من الأبحاث حول المعالجة الآلية للغة العربية والمحتوى الرقْمي العربي، وألّف كتاب “نبوءة آمون: موجز تاريخ الإنترنت”.