التملُّك والكينونة في الحياة اليومية
التملُّك والكينونة في الحياة اليومية
يبين فروم أن نمط التملك ساد الحياة اليومية وتغلغل في جميع الأنشطة الحياتية التي نعايشها ونمارسها بشكل يومي، ففي جانب “التعليم” -على سبيل المثال- يكمن الجانب التملُّكي في قيام الطلاب والطالبات بالإنصات للمحاضرات وتدوين المعلومات وحفظها بهدف اجتياز الامتحانات بنجاح، دون أن يكون للمحتوى التعليمي ذاته أي أثر في حياتهم وطريقة تفكيرهم، حيث لا يعمل نظام التعليم القائم على نمط التملك على توسيع الأفق لديهم ولا يمدُّهم بالمعلومات التي تصبح جزءًا لا يتجزَّأ من نظامهم الفكري والقدرة على التفكير النقدي والإبداع.
بينما في نظام التعليم القائم على أسلوب “الكينونة” تكون علاقة الطلاب والطالبات مع العملية التعليمية مختلفة تمامًا، فهم يستمعون إلى المحاضرات ويُعملون فكرهم فيها، فيطرحون التساؤلات حول المشكلات التي تثيرها المحاضرات، ما يعني جعل الموضوعات المطروحة تشغل بالهم وتثير اهتمامهم، وبالتالي لا يكونون مجرد مستقبلين سلبيين للمعلومات والأفكار، إذ يتجاوبون مع ما يسمعونه، فيجعلون من استماعهم عملية حية تفاعلية منتجة ومحفِّزة للتفكير النقدي، وبالتالي يخرج كل طالب وطالبة من المحاضرة وقد أصبح كلٌّ منهم في حالة مختلفة عن الحالة التي دخلوا بها إلى المحاضرة، كون الأمر لم يعد مقتصرًا على حفظ المعلومات وحملها إلى المنزل بهدف اجتياز الامتحانات، بل أصبحت المعلومات والأفكار جزءًا لا يتجزَّأ من بنيانهم الفكري.
الفكرة من كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
المجتمع عند فروم يتصارعه نمطان للعيش في هذه الحياة، نمط يقوم على “التملك” حيث الاستهلاك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ وامتلاك الأشياء، وكذلك الرغبة في الشهرة والسلطة التي تحقق السيطرة على الآخرين، هذا النمط الذي يجعل الإنسان (ناقص الإنسانية)، ونمط آخر هو نمط “الكينونة” والوجود حيث اهتمام الإنسان بعلاقته مع البشر والارتقاء أخلاقيًّا وروحيًّا لتحقيق (كمال الإنسانية)، ومجتمعاتنا المعاصرة يهيمن عليها نمط التملك، ما يعني أن هناك كارثة تحيق بالإنسان تدفعه نحو الهاوية نفسيًّا وبيئيًّا، وأن البديل الوحيد لتجنُّب الكارثة وعدم السقوط في الهاوية هو العيش وفق “نمط الكينونة”.
مؤلف كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
إريك فروم ، هو عالم نفس وفيلسوف وناقد اجتماعي ألماني، تعلم في جامعتي هيدلبرج وميونيخ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هيدلبرج عام 1922 في علم النفس، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واشتغل في التدريس في الولايات المتحدة والمكسيك، له عدة مؤلفات، منها: “الإنسان بين الجوهر والمظهر”، و”الخوف من الحرية”، و”كينونة الإنسان”.