التماسك الأسري مقوماته وما يهدِّده
التماسك الأسري.. مقوماته وما يهدِّده
قديمًا قالوا: “بضدها تتميَّز الأشياء”، فإذا أردنا بيان معنى التماسك الأسري، فأبلغ ما يجيبنا هو حجم التفكك الأسري وآثاره في مجتمعنا العربي في الوقت الحالي، إذ إن ارتفاع نسب الطلاق في الوطن العربي في زيادة ملحوظة، والأسر المفككة التي تعيش تحت سقف واحد فقط لكي لا يتم تشريد الأطفال لكنها في الوقت نفسه بعيدة كل البعد عن الانسجام والترابط الذي هو لب التماسك الأسري، عددها كبير جدًّا.
وللتماسك الأسري مستويات عدة منها: التماسك المتصلب والمطلق، ويشبه دارًا مغلقة الشبابيك والأبواب عن العالم الخارجي، ولا تقوم هنا الأسرة إلا بالحد الأدنى من التفاعل وبناء العلاقات مع البيئة المحيطة وأحيانًا تقتصر على رب الأسرة فقط، وأيضًا التماسك المرن المفتوح، ويشبه دارًا مفتوحة الأبواب والنوافذ على العالم الخارجي، ولكنَّ هناك حدودًا وآدابًا عامة تحكم عملية التفاعل مع البيئة المحيطة لا تخرج الأسرة عن إطارها، وأيضًا التماسك المتسيِّب مفرط الانفتاح، وهو يشبه دارًا تصدَّعت جدرانها وانهار سقفها وليس هناك حدود ولا قواعد يلتزمون بها، مع تماسك شكلي ظاهري، لكن الحقيقة أنها مفككة من الداخل.
وهناك بعض المقومات التي تعزِّز التماسك الأسري منها: تكافؤ الزوجين في السن والمرحلة التعليمية والوضع المادي والاجتماعي، والتوافق فيما بينهما على الأدوار والمكانة، والتوافق على السياسات المتبعة بينهما والقواعد، كذلك النضج النفسي للطرفين، والنضج العاطفي الجنسي الذي له تأثير في انتظام وتماسك الأسرة، وامتلاك كل منهما مهارات التخطيط للحياة الأسرية، وتعافي البيئة المحيطة بالأسرة لضمان عدم التأثير السلبي من الخارج، والضمان المادي الذي يؤمِّن لهم استمرار الحياة والمتطلَّبات الأساسية من المصاريف اليومية كالمأكل والمشرب والملبس، ومصاريف التعليم للأبناء، وهكذا.
الفكرة من كتاب الأسرة وصحتها النفسية
كل بناء كبير يتكوَّن من وحدات صغيرة تجتمع بعضها مع بعض لتكوِّن البناء، وأي خلل أو نقص في مكون من مكونات البناء يعرِّضه بالكامل لخطر الانهيار، هذه القاعدة تجري مجراها على كل شيء في حياتنا، لا سيما المجتمعات، والمجتمع يتكوَّن من وحدات صغيرة تسمى الأسر، إذ إن لكل أسرة دورًا فعالًا في بناء مجتمعها، فهي تتأثَّر به وتؤثر فيه بصفة متبادلة في آن واحد، لذا فمن الأهمية بمكان أن ندرس تلك الأسر ومقوماتها وصحتها النفسية وكيف نحافظ عليها لكي نحافظ على المجتمع متماسكًا.
مؤلف كتاب الأسرة وصحتها النفسية
مصطفى حجازي: أكاديمي ومفكر لبناني، حاصل على دكتوراه الدولة في علم النفس من جامعة ليون في فرنسا.
له العديد من الكتب والمؤلفات منها:
الفحص النفسي.
علم النفس والعولمة.
حصار الثقافة، الإنسان المهدور.