التكنولوجيا والكراهية
التكنولوجيا والكراهية
يرى العالم الاجتماعي الأمريكي ريتشارد سينيت أن المجتمع في العصر الحديث على الرغم من امتلاكه آلات وتكنولوجيا متعدِّدة وحديثة، فقد افتقر إلى التواصل الحقيقي بين البشر في المجتمع الواحد ومهارات الحوار والإصغاء والتعامل مع الاختلافات، فقد أباحت العولمة للفرد أن يتصرَّف بإهمال وبلا لباقة أو احترام للآخر، كما أنها عزَّزت فكرة رفض المختلف عنك تمامًا دون التوصُّل إلى آلية تفاهم وتواصل بينكما وزادت من مجال تجوُّل الأفراد في دول غير دولهم بمختلف أفكارهم وأديانهم، ما زاد من الاضطهاد والتعصُّب الفكري والديني للآخر المختلف عنك، فالمجتمع فقير -كما قال سينيت- في تنشئة مجتمع مختلف أفراده وناجح.
وقد دعا العديد من الشيوعيين والحداثيين إلى المساواة المجتمعية، أي عالم خالٍ من الطبقات والصراعات، بل دعا الحداثيون إلى أن تطبيق الفردانية وقيمة العقل ستُشكِّل المجتمع إلى مجتمع أفضل بلا عدوانية أو تعصب وستكون ثقافة مجتمعية، وعلى أثرها ستتراجع الكراهية والصراعات بين القومية والطوائف المختلفة على النقيض كان اليسار الماركسي مُعتقدًا أن إلغاء الملكية وإزالة الطبقات سينهي العداوة بين الأمم، لكن النقيض تمامًا قد حدث وزاد من حِدة التعصب والعداوة بين الأمم والتفرقة القومية، بل شاعت الصراعات والتعصُّب بعدما أصبحت وسائل المواصلات أكثر إتاحة وأيسر، وخُلاصة زيادة ظهور الكراهية والعداوة بين الأمم كان بسبب الانعزال الجغرافي، وذلك لأن الجماعة الواحدة كانت تغذِّي الكراهية وتتبادلها دون تكاليف وعناء وبعد إتاحة وسائل المواصلات فما زالت العزلة والكراهية موجودة بين الجماعات.
ونُشِرَت عدة تقارير حول أثر مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة وانتشار الكراهية بين الأمم، وقد أثبت ذلك تقرير مركز كانتور، الذي أوضح أن السبب تعدد مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب، وعلى الرغم من أن مواقع التواصل هدفها تقليل المسافات بين البشر وتبادل وتواصل ثقافي وفكري فقد تحوَّلت إلى انعزال الجماعات من نوع آخر يسَّر تطويع الكره والتعبير عنه بتجريح للآخر دون أي مراعاة أخلاقية.
الفكرة من كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
لقد قام العالم على كل شيء ونقيضه حتى الألوان بها الأبيض ويقابله الأسود، والمشاعر منها الحب والكره، والآراء قد نتفق عليها وقد نختلف، ولكلٍّ منا هوية يُعرف بها ونتنازع حولها من أمم إلى دول إلى أفراد، فالنزاعات بين البشر قد تصل بهم إلى الحروب والكره والأبشع هو القتل، قد تقتل شخصًا لاختلافه معك دون مبالاة منك، بل ستبرِّر فعلتك، وقد استغلَّ هذا كثير من مُحرِّضي العنف سواء من العلماء أو المثقفين أو القادة لخوض حروب ونزاعات عالمية وقبلية بهدف الرأي الواحد والبقاء للأقوى، وفي هذا الكتاب يأخذنا الكاتب إلى نقاشات متعدِّدة حول مفاهيم الكره والحرب والنفس البشرية وما تحمله من جانب مظلم وكراهيات حقيقية ومصطنعة.
مؤلف كتاب لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
نادر كاظم: كاتب وناقد أكاديمي وثقافي بحريني، حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ودرجة الماجستير في النقد الحديث، وكان يعمل محاضرًا ومساعد باحث غير متفرِّغ في جامعة البحرين، وله مؤلفات متعدِّدة منها “الهوية والسرد”، و”طبائع الاستملاك”، و”خارج الجماعة”، و”استعمالات الذاكرة”، و”إنقاذ الأمل”.