التكنولوجيا والعصر الحالي
التكنولوجيا والعصر الحالي
وبعد الحديث عن تاريخ العلم، ماذا عنه بالعصر الحالي؟ وما ارتباطه بالتكنولوجيا؟
حاليًّا بالقرن العشرين حدثَت ثورة كمية وكيفية هائلة في المجال العلمي، وتوصَّلنا إلى العديد من الُمنجزات العلمية في مختلف المجالات،وكل ذلك لم يظهر بغتة، بل بعد استخدام واسع للتكنولوجيا، والتكنولوجيا كمصطلح فهو حديث في ذاته، ولكنه كتعريف يعدُّ قديمًا وحديثًا، فهو يعني الوسائل التي يستعين بها الإنسان لتكملة ما ينقصه من القوى والقدرات، وقد أسهمت تلك القدرات في إرساء مبدأ البحث التطبيقي بتحويل الكشوف النظرية إلى مشروعات قابلة للتطبيق عمليًّا، وذلك بالأدوات التي ابتكرها الصنَّاع المهرة بناءً على خبراتهم المُتوارثة وتجاربهم الخاصة، أثَّرت في العلماء باتخاذها منطلقًا لأبحاثهم النظرية،ما أدَّى إلى ظهور المرحلة الأولى من تاريخ العلم الحديث بظهور علم الميكانيكا والآلات البخارية، وكانت المعرفة وقتها معتمدة على النموذج الآلي بجعل الظواهر في نسق تؤدي كلٌّ منها إلى الأخرى بطريقة آليه، وبعد ذلك بالقرن التاسع عشر ظهرت الفيزياء الحديثة التي تهتم بالتبادل التأثيري بين القُوى والطاقات ويستحيل التنبُّؤ بمسار مجموعة من الشحنات مقدَّمًا، فبذلك ظهر مفهوم أدق لفهم الظواهر وبناءً عليه تم اكتشاف الطاقة الذرية والعقول الإلكترونية وارتياد الفضاء.
وبنفس الوقت ظهر علم جديد يُطلق عليه “السيبرنطيقا”، أي وجود آلات تحتوي على عقول إلكترونية يمكنها أن تراقب عملها وتصحِّحه وتعيد توجيهه وفقًا لما أجرت من حسابات، ففاقت كفاءة إنتاجيتها الآلات السابقة، وتوفِّر نسبة كبيرة من الأيدي العاملة، وتعفي الإنسان من المشقة البدنية ليتفرَّغ للتفكير واكتشاف فِكَر جديدة، ولتحلَّ أزمة تميَّز بها عصرنا الحالي من توافر كمية كبيرة من المعلومات في كل الميادين إلى حدٍّ يستحيل على العقل البشري أن يستوعبه، حتى أُطلق عليه عصر “الانفجار المعرفي”، فأصبحت وسائل الاطلاع العادية كالبحث عن أحدث الكتب والمجلات العلمية في المكتبات لا تُجدي نفعًا أمام تدفُّق الأبحاث الجديدة، فقامت تلك العقول الإلكترونية بدور “الذاكرة الصناعية”، وأصبح بوسعها أن تُزوِّد الباحث على الفور بقائمة كاملة من المراجع تخصُّ الميدان الذي اختاره، أو تُقدِّم إليه المعلومات المطلوبة مباشرةً بدلًا من أن يبذل جهدًا قد يطلب سنوات دون الوصول إلى نتيجة مرجوَّة.
الفكرة من كتاب التفكير العلمي
في عصرنا الحالي نجد ثغرة كبيرة بين عالمنا العربي والعالم المتقدِّم، فبعد أن كانت الحضارة الإسلامية في العصر الذهبي سابقة النهضة الأوروبية بقرون عديدة، أصبح اليوم مفكِّرو العالم العربي يخوضون معارك ضارية من أجل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي، وكذلك لا ينفكُّ البعض عن الزهو بذلك الماضي المجيد دون الأخذ بأسلوبهم العلمي، فلذلك لا سبيل لتحقيق النهضة في وطننا العربي إلا باتباع العقلية العلمية، وهي لا تخصُّ العلماء وحدهم، ولا تتطلَّب معرفة كل ما توصَّلت إليه البشرية حتى وقتنا الحالي أو معالجة مشكلة متخصِّصة بمجال علمي ما، بل هي طريقة للنظر في الأمور بشكل عقلاني والابتعاد عن اتباع العفوية.
إذن ما هو التفكير العلمي؟ وما هو تاريخه؟ وكيف نفكِّر مثل العلماء؟ وما علاقة العلم بمشاكلنا المعاصرة؟ سنتعرَّف على كل ذلك مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب التفكير العلمي
فؤاد زكريا: عَلَم من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، تخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونالَ درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس، وعمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بها.
عمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة، ونال جائزةَ الدولة التقديرية عام 2002، وجائزةَ الدولة التشجيعية عام ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب “حكمة الغرب” لِبرتراند رسل، تُوفِّي بالقاهرة عامَ ٢٠١٠م، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عامًا.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
خطاب إلى العقل العربي.
دراسة لجمهورية أفلاطون.
آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة.
الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل.