التكامل المعرفي بديلًا عن إسلامية المعرفة
التكامل المعرفي بديلًا عن إسلامية المعرفة
كان لا بدَّ بعدما وصلت دعاوى التخصُّص مداها، حتى أصبح كل أستاذ متخصصًا في جزء ذري من موضوع دراسي ضمن تخصص كبير، ومع تعقد الموضوعات البحثية وتشابك أبعادها، من دعوة إلى وحدة المعرفة وتكاملها، وإذا كانت الأولى تؤكِّد وحدة المعرفة في مصادر الحصول عليها وفلسفاتها، فإن الثانية تدعو إلى الاستفادة من مجمل ما أنتجته التخصُّصات المختلفة لخدمة موضوع الدراسة، إذ إنها أشبه بالدعوة إلى استعادة فكرة موسوعية العالم التي تجلَّت في نماذج من أمثال ابن رشد والغزالي وابن تيمية من علماء المسلمين، وظهرت عند روجر وفرانسيس بيكون من علماء الغرب، كما أن فيها إشارة إلى الإيمان بتكامل الدين والعلم والعلم والعمل، والحكمة والشريعة، وإلى حاجة العلوم بعضها إلى بعض، كما أن فيها معنى تكامل المعرفة في مصادرها: بين الوحي والكون، وفي أدواتها: بين الحواس والعقل.
لذلك فبعد أن أثار شعار إسلامية المعرفة حملة من النقد والسخرية من العديد من الكتاب العرب أمثال السيد يسين، وزكي نجيب محمود، وبرهان غليون، وعلي حرب، وترافقًا مع رواج مفهوم التكامل المعرفي علت أصوات تطالب بإحلاله بديلًا عن إسلامية المعرفة، إلا أن إثارة المعهد لهذا المفهوم لم يكن سوى تأكيد منه ودعوة إلى استعادة قيم التكامل المعرفي والاستفادة منها في تشكيل عقل الباحث المسلم، وفتح آفاقه المعرفية، دون أن يكون بديلًا عن إسلامية المعرفة الرسالة التي أُنشئ من أجلها المعهد، وما مفهوم التكامل المعرفي إلى أحد أركان هذه الرسالة، واجتهاداته التي تتجدَّد بمرور الزمن، وتطوُّر الأفكار.
الفكرة من كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
أدَّت تراكمات الاستعمار الأوروبي لشعوب وبلدان العالم الإسلامي إلى تغريب ثقافة هذه الشعوب، وجعلها منفصلة عن أي سياق تاريخي أو ديني أو جغرافي محلي، وهيمنت بفكرها الوافد على شتى مظاهر حياته ومعرفته، مُحاولةً أن تجعل منها نسخة باهتة من نمط الحياة الأوروبي، فأصبح يُنظر بعين الريبة والشك إذا أُدخل مصطلح إسلامي إلى أي شيء! فإن الزي الإسلامي، والآداب الإسلامية في الطعام والشراب ودخول المنزل والخروج منه يعد المتمسِّك بها تقليديًّا وضد الحداثة، ويرفض التقدم!
وإزاء ذلك ظهرت حركات تنادي لا بأسلمة نمط الحياة فحسب ولكن بأسلمة العلوم والمعارف المختلفة الاجتماعية منها والطبيعية، وجعلها أكثر قربًا من واقع المسلمين المُعاصر بعمقه التاريخي والحضاري، ومستمدة من الوحي مصدرًا للمعرفة إلى جانب العقل، آخذة في الاعتبار ما في التراث الإسلامي من اجتهادات تستحق النهل منها لا من الغرب وحسب.
مؤلف كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
فتحي حسن ملكاوي: أستاذ جامعي متخصص في العلوم التربوية، وبخاصةٍ من منظور إسلامي، ولد في الأردن عام 1943، وعمل بعد حصوله على البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة دمشق، في وزارة التربية والتعليم الأردنية خلال الفترة من عام 1966 حتى 1978، ثم بعد حصوله على الدكتوراه في التربية من جامعة ميشيغان الأمريكية عمل في التدريس الجامعي في كلية التربية وكلية الشريعة بجامعة اليرموك بالأردن في الفترة من 1984 حتى 1996؛ ليتفرغ بعد هذا التاريخ للبحث والتأليف في إسلامية المعرفة، وإدارة المشروعات المختلفة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
له عدة مؤلفات، منها: “منظومة القيم المقاصدية وتجلياتها التربوية”، و”نصوص من التراث التربوي الإسلامي”، و”البناء الفكري: مفهومه ومستوياته وخرائطه”، فضلًا عن عددٍ من الأعمال المُحرَّرة منها على سبيل المثال: “نحو نظام معرفي إسلامي”، بالإضافة إلى العديد من الدراسات المنشورة، كما تُرجمت بعض مؤلفاته إلى اللغة الإنجليزية.