التقوقع بعد السجن.. وسؤال الدين خلاله
التقوقع بعد السجن.. وسؤال الدين خلاله
“القوقعة” هي رواية مصطفى خليفة الخالدة عن مرحلة السجن، ولكن تقوقع ما بعد السجن مختلف، هو حساب عقلاني بحت للمهم وغير المهم بالنسبة لشخصية ارتأت حياتها المستقبلية في الشأن المعرفي والثقافي بعيدًا عن صخب الواقع وضجيجه، ربما تجربة السجن تساعد المرء على المكوث في البيت والصبر على التقوقع، ولكن تكتشف أن التقوقع في حقِّ من هذا شأنه واجبٌ للسيطرة على الحياة وعدم تركها تفلت، كما كانت الحياة قبل السجن، بالإضافة إلى دافع الإنجاز.
يعلِّق الكاتب على أحد أقواله في شهور سجنه الأولى أنه قال: “لا أتصوَّر نفسي خارج الحزب”، مستنكرًا أن هذا مروِّع للغاية، وأن من هذا شأنه سيظل تابعًا إلى الأبد، سواء قَتَلَ أو قُتِل.
لم يكن الكاتب متدينًا أو حتى مؤمنًا، يحكي أنه كان في سجن تدمر مرتاعًا خائفًا للغاية، وكان بحاجة إلى من يسكِن نفسه، كان يحتاج إلى ألوهة بشكل ما تنقذه مما هو فيه، ولكنه لم يصل.
كانت هناك تجربة صيام في شهر رمضان لعدة سنوات بعد طلب أمه منه ذلك، لم تكن ذات بعد ديني، ولكنها كانت محاولة للبحث عن الهوية التي ترتبط بالإٍسلام في شكله العاداتي والمجتمعي، والذي يحول دون الانجراف في تيارات التاريخ، وكانت أيضًا تعبيرًا عن سخطه لما وصل إليه، كيف صار شيوعيًّا، وكان متمردًا ومستقلًّا في مكان سلب الحرية، وأيضًا كيف انفصل عن بيئته إلى هذا الحد، مع شعور بالإثم حيال القطيعة مع الأهل وإرادة المصالحة معهم، وانتهت التجربة بقطع الصيام بعد وفاة والدته.
الفكرة من كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
إن هذا الكتاب لا يعده كاتبه ضمن أدب السجون ولا البحث الاجتماعي، ولا حتى كتبه بروح المظلومية وفضح النظام، ولكن الكتاب تأمُّلات قصة حياة السجن، ويحمل طابع السير الذاتية، فحياته كانت في الداخل، وجزء من تكوينه الأساسي كان في السجن، فقد دخل وهو ابن عشرين عامًا، ونشر الكتاب وهو في الخمسين.
يبدأ موضوع الكتاب من لحظة الاعتقال في فجر أحد أيام ديسمبر عام 1980، طالب الطب صاحب العشرين عامًا، وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري ياسين الحاج صالح، ليقضي ستة عشر عامًا وأربعة عشر يومًا ما بين سجن المسلمية بحلب، ثم سجن عدرا بدمشق عام 1992، وأخيرًا ينهي المأساة بمأساة أكبر استمرت نحو سنة كاملة في سجن تدمر الرهيب، ليخرج في أواخر ديسمبر عام 1996م.
مؤلف كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
ياسين الحاج صالح، كاتب سياسي ومعتقل يساري سابق، مؤلف مشتغل بالشؤون السورية ونقد الثقافة والإسلام المعاصر.
وُلِدَ في مدينة الرقة عام 1961م، واعتُقِل عام 1980م في السنة الثالثة لكلية الطب، بتهمة الانضمام إلى تنظيم شيوعي ديمقراطي، ويعتبر حاليًّا من أهم الكتاب السوريين في قضايا الثقافة والعلمانية والديمقراطية والإسلام المعاصر.
من مؤلفاته: “سوريا من الظل”، و”أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده”، و”السير على قدم واحدة”، و”الثقافة كسياسة: المثقفون ومسؤولياتهم الاجتماعية في زمن الغيلان”، و”أي إسلام وأي علمانية”، و”بالخلاص يا شباب”.