التقدّمُ إلى الخلف
التقدّمُ إلى الخلف
في ثلاثينياتِ القرنِ الماضي، وبسببِ سيطرةِ النازيةِ والفاشيةِ وسلبهم أبسطَ حقوقِ الإنسان، كان مثقفوا أوروبا يتخوَّفونَ ويشككونَ من جدوى النظامِ الرأسمالي في تحقيقِ الرفاهيةِ والرخاءِ الاجتماعي، بل وتشككوا من فكرةِ التقدمِ ذاتِها؛ فكتبَ العديدُ من المثقفينَ حولَ ذلك مثل “ألدوس هكسلي” في روايته “عالمٌ جديدٌ رائع”، و”جورج أورويل” في روايته “١٩٨٤”، وقد تنبّأَ كلٌ منهما بمستقبلٍ مظلمٍ للبشرية إن استمرت على نفسِ المِنوال.
استنتج “هكسلي” أنَّ التقدمَ العلميَّ والتكنولوجي سيؤدي إلى تراجعِ الديمقراطيةِ وغيابِ الحريات؛ وذلكَ لأنَّ طبيعةَ هذا التقدمِ تؤدي إلى تمركزِ السلطةِ في أيدي قلةٍ من الناس، يمتلكونَ الأدواتِ الكافيةَ للتأثيرعلى الناسِ وغسلِ أدمغتِهم؛ وهو ما سماه “تشكيلُ عقول الناس منذُ الطفولة”
وكان يرى أن في ذلك المجتمعِ ستصبحُ المنفعةُ والكفاءةُ فوقَ كلِّ شيء؛ وبالتالي ستتغيرُ نظرةُ الناسِ للكثيرِ من المبادئ والغاياتِ النبيلة كالحبِ والزواج، ولن يكونَ هناكَ وجودٌ حقيقيٌ للأسرةِ والعَلاقاتِ الاجتماعية، وسيصبحُ الفنُ والأدبُ يلبي حاجةَ الاستثمار والاستهلاكِ؛ فلا عواطفَ أو رسائلَ إنسانية، بل لذةٌ ومتعةٌ فقط لا غير!
أما “أورويل” فيوضحُ في روايتِه أنَّ الحكوماتِ قد تلعبُ ألعابًا حقيرةً كي تُحرِّكَ الشعوب؛ كأن تُحدثَ تفجيراتٍ وغاراتٍ في بُلدانها، وتدَّعي بأنها بِفعلِ جِهاتٍ مُخرّبة، وستوجِّه مواطنِيها للحرب، ليس من أجلِ إحلالِ السلام -كما ستقول- بل للحصولِ على الثرواتِ واستغلالِ القوةِ العاملةِ الرخيصةِ فيه.
بعد أحداثِ ١١سبتمبر، توجَّهتِ الأنظارُ من جديدٍ لتلك الكتب، وبدأَ الناسُ بمقارنةِ ما جاءَ فيها من تنبؤاتٍ وما حالَ إليه الواقع؛
فالروايتان لم تكونا مجردَ روايتين رائعتين توضحانِ قدراتِ الكاتبَين على التخيلِ وامتاعِ القارئِ وحسب، بل كانتا تحملانِ رغبةً متقدةً لحمايةِ الناسِ من التخلف والجهل.
الفكرة من كتاب خرافةِ التقدمِ والتخلف
يُسلِّطُ كتابُ “خرافةِ التقدمِ والتخلّف” الأضواءَ على أفكارٍ قد نرى بأنها مسلّمات، ويُطلبُ منا أن ننظرَ ونفكرَ فيها بشكلٍ منطقيٍّ لنتأكَّدَ بأنها مجردُ خُدَعٍ وتضليلٍ سياسيٍ وإعلامي.
الحداثةُ -على سبيل المثال- لا تعني بالضرورةِ الإصلاح، فالكثيرُ من المصطلحاتِ التي تَصِفُ الحداثة تَحملُ في طَيَّاتِها معانٍ سلبية.
كما أن وَصْفَ أمّةٍ كاملةٍ بأنها أمةٌ متقدمةٌ أو متخلفةٌ؛ لهو حكمٌ خاطئ؛ لأنَّ التقدمَ والتخلفَ عادةً ما يشملُ جانبًا من جوانبِ الحياةِ، وليس عمومَها.
مؤلف كتاب خرافةِ التقدمِ والتخلف
جلال الدين أحمد أمين، هو عالمُ اقتصادٍ وكاتبٌ مصريٌ بارز؛ من أشهرِ مؤلفاتِه كتاب “ماذا حدث للثقافة في مصر؟ ” الذي يشرح التَّغيُّرَ الاجتماعيَّ والثقافيَّ في حياةِ المصريين، خلال الفترةِ من ١٩٤٥م إلى ١٩٩٥م، والذي يرتبط بظاهرة الحَرَاكِ الاجتماعي
كما أنّ له ُ العديدَ من الكتب، منها:
كتاب “خرافةُ التقدمِ والتأخرِ”
الذي يثيرُ فيه شكوكًا كثيرةً عن صحةِ الاعتقادِ بفكرةِ التقدمِ والتخلف، وفيما إذا كانَ من الجائزِ وصفُ دولٍ أو أممٍ أنها متقدمة، وأخرى أنها متخلفةٌ أو متأخرة.
كتاب “عصرُ الجماهيرِ الغفيرة”
الذي يتناولُ فيه جوانبَ تطورِ المجتمعِ المصريِّ خلالَ الخمسينَ سنةً الأخيرة في مجالات: الصحافةِ، الاقتصادِ، الثقافةِ، التليفزيون، السوبر ماركت والسياحة، الأزياء والحب، والعلاقةِ بين الدينِ والدنيا.