التقابل المُتكامل
التقابل المُتكامل
إن القُرآن يرفع الحُجب عن القلوب، ويضع كل الأمور في موضعها، فتنزل سورة التكوير بين أهوال القيامة تُفصح عن الحقيقة ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾، مُعلنة أول ميثاق للمرأة، وترى الكاتبة أن من عنون الأنثى بأنها عار الحياة واختزلها في جسد ورغبة فهو إنسان أُميٌّ، فقد كرم الإسلام المرأة وجعل لها مكانة ومعاني يتلَّقى الناس من حولها العلم، فها هي ست العرب بنت محمد فخر الدين مسندة عالمة بفقه الحديث، وكذلك “نفيسة العلم” التي تلَّقى عنها الشافعي العلم، وكذلك أروى القيروانيَّة صاحبة أول وقف لتعليم الإناث.
ثم تُختتم سورة التكوير بآياتٍ تحمي الروح من الظمأ، وتصلها بملائكة الوحي، وكيف كان قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في لقائه مع جبريل، يقول تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾، وإذا ما اتبعنا الفِكر، وتالينا النظر في القُرآن، وجدنا سورة الليل، يقول تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾، وفيها الذكر والأنثى معًا، لكن قبلهما الليل والنهار، وبعدهما “سعيكم لشتَّى”، فالآيات ممتلئة بألوان ومعانٍ متقابلة لكنها مُتكاملة. لونان مختلفان: ليل ونهار، وبتوحُّد اللونين يكتمل اليوم، وبانصهار الزوجين تكون عمارة الأرض، ومع السورة نجد هذا التقابل في السعي ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾، وفي اتجاه آخر ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾، ولكل منهما جزاؤه.
وتأتي سورة الشمس، التي بدأت بمهرجانٍ كوني يُعادل تلك المتقابلات، ولكنها متقابلات النفس البشرية، فحركة الفضاء توازيها حركة الصدور ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾، فهذه النفس تجمع الخير والشر، هذه النفس هي المعركة الداخلية، لذا ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾، وكأن السورة تقول لنا إنه ليل أو نهار، سواد أو بياض، ولكنها تختار لنا الشروق ﴿والشمس وضحاها﴾.
الفكرة من كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
إن الناظر في مواقف الصحابة (رضوان الله عليهم) وتغيُّر حالهم مما كانوا عليه قبل البعثة وحين نزل عليهم الوحي، يقف مُتعجبًا كيف تغير هؤلاء هذا التغيُّر المقابل تمامًا، كيف انقلب حالهم من الضلال والشرك إلى النور والتوحيد، كيف بعد أن كانوا أُمة لا تُذكر ارتفع ذكرهم في أرض الله بأكلمها، كيف بعد أن كانت حدودهم مكة وما حولها، صارت شموسهم تُشرق من كل اتجاه، فما سر هذا التغيُّر؟ وما سر قوَّته وتأثيره؟ إنه كلام ربِّ العالمين!
في هذا الكتاب تكشف لنا الدكتورة كِفاح أبو هَنُّود كيف بنى القُرآن تلك النفوس الجليلة من خلال تتبُّع السور المكيَّة التي شكلَّت أولى اللبنات التي قامت عليها هذه الأمَّة، لنحاول من جديد أن نستقي من نور الوحي، فإنه لا أثر للنص إذا انقطع عنه الفَهم.
مؤلف كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
د. كفاح أبو هنود: كاتبة أردنية الجنسية، حاصلة على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهي الآن أستاذة جامعية، كما أنها ناشطة في العمل الشبابي والنسائي في دول عدة، وقد أسست عددًا من البرامج التربوية.
من مؤلفاتها:
في صحبة الأسماء الحُسنى.
التوظيف الحداثي لآيات المرأة: جمال البنا نموذجًا