التفكير
سنسعى هنا إلى أن نفهم العملية التي يقوم من خلالها المفكر بقراءة الواقع وإنتاج الأفكار والمفاهيم، فالمفكر يمتلك مفاهيم ومعلومات ومعطيات معلومة يريد من خلالها أن يصل ويستكشف ما ليس بمعلوم لديه، وسنلاحظ أنه كلما زادت أدواته المعرفية تمكَّن من الوصول إلى نتائج أفضل، والتفكير أيضًا بمثابة عملية استدعاء للخبرة المتراكمة، وهو أيضًا عملية بناء للنماذج حول أوضاع معيَّنة يسهل على الدماغ استحضارها، فمثلًا للطالب المجتهد داخل دماغك نموذج معين تكوَّن لديك على فترات مع تكرار حدوثه، فمثلًا لاحظت أنه يذاكر معظم وقته فتم تخزين ذلك في النموذج البنائي عنه لديك، ولاحظت أيضًا أنه يتقدم الصفوف الأمامية في فصوله الدراسية، وربما يفضِّل العزلة وهكذا.
وكيف نمارس التفكير بغير أسئلة! الأسئلة هي وقود المعرفة، الأسئلة ترتفع بمستوى النضج العقلي للإنسان وتشبع فضوله بشرط أن تكون في محلها بغير سفسطة.
هناك عوامل مرتبطة بعملية التفكير ارتباطًا وثيقًا وقد تؤثر فيه بشكل كبير، وقد يؤثر فيها هو ويوجِّهها أو يثبِّطها، ومنها العواطف، فهي تتناقض مع عملية التفكير من حيث أنها توصف بالفوضى والعجلة والغموض، وكثيرًا ما تكون بعيدة عن العقلانية والمنطق ولا سبب لتقلُّباتها المتكررة، كما أنها تقودنا إلى إصدار الأحكام بغير روية، ومن حيث أنها تشغل جزءًا كبيرًا من تكوين الإنسان بخلاف التفكير أيضًا، والحواس هي مستقبلات الإدراك الأساسية وشرارة التفكير الأولى، وهي حين تستقبل موقفًا أو حادثة ما فيعمل الدماغ على تحليلها وتفكيكها يوجِّه معها العواطف إما إلى الصواب وإما إلى الشطط بعيدًا.
ومما يؤثر في عملية التفكير أيضًا ما يسمى “العقل الجمعي”، أي البيئة والمحيط الذي يعيش فيه المفكر ويرتبط به ويتفاعل معه، وهو يمثل السواد الأعظم من الناس الذي يتسم بالأمية وانخفاض مستوى التعليم والتعميم والسطحية في الحكم على الأمور وبالتشبُّث بالقديم الموروث والتعصُّب له والخوف من أي جديد أو غير مألوف حتى وإن كان صوابًا، وبالطبع فإن التعامل معه يكون صعبًا جدًّا، وأصعب منه محاولة الانفصال عنه، والأفضل في التعامل مع هكذا أوضاع أن يخلو الإنسان بنفسه في محاولة لتأسيسها وصقلها بالمعارف المختلفة، ونقدًا للواقع الذي كان فيه وإعادة النظر في الموروث رغبةً في الاهتداء والوصول إلى الصواب، بهذه الأمور يستطيع من يرغب في سلوك مسالك المفكرين أو يبني نفسه بناء مستقلًّا، أن يُبصر الحق بعيدًا عن ضغط العقل الجمعي، ثم هو بعد ذلك يستطيع أن يُصلح ما حوله إن أراد.
الفكرة من كتاب تكوين المفكر: خطوات عملية
من حقك أن تفكر وتُعمِل عقلك وتكتشف الكون من حولك، لكن عليك أولًا أن تفهم نفسك وأن تفهم مرادك وأن تفهم الواقع من حولك، عليك قبل أن تقتحمه أن تعرفه، وأن تتسلَّح بالأدوات اللازمة له، فلست وحدك في أرض السباق، حولك كُثُر منهم من يفكر ومنهم من يُصلح ومنهم من يجادل ومنهم من يتأمل، وهذا الكتاب بمثابة البوابة والمقدمة التي تفتح عينيك على هذا العالم.
مؤلف كتاب تكوين المفكر: خطوات عملية
الدكتور عبد الكريم بن محمد الحسن بكَّار: أحد المؤلفين البارزين في مجال التربية والدعوة والفكر الإسلامي، كتاباته تلقى رواجًا بين جموع الشباب حيث تتمتَّع بالسهولة والشمولية في الطرح، قدَّم برنامجًا تلفزيونيًّا بعنوان “دروب النهضة”، وبرنامجين إذاعيين أحدهما بعنوان “بناء العقل في القرآن الكريم”، وآخر بعنوان “العلاقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي”، وله العديد من المؤلفات في مختلف المجالات ومنها:
العيش في الزمان الصعب.
مسار الأسرة.
من أجل انطلاقة حضارية شاملة.