التعدُّدية القطبية والثقافية
التعدُّدية القطبية والثقافية
إن الفلسفة الأوراسية لا تُنكر الحقائق التي رفضها التنوير كالدين والعِرق والإمبراطورية والثقافة وغير ذلك، وفي الوقت نفسه تتبنَّى أفضل إنجازات الحداثة كالتقدم التكنولوجي والاقتصادي والضمانات الاجتماعية وحرية العمل، فهي فلسفة منفتحة وغير عقائدية، فهي تحترم الماضي والتراث الإنساني، وتعيش الحاضر، وتتطلَّع إلى المستقبل، ومن ثمَّ يُمكن إثراؤها بكل ما هو جديد، وبناءً على ذلك تؤمن الأوراسية بتعدُّد أنظمة القيم مقابل الهيمنة التقليدية والإلزامية للأيديولوجيا الديمقراطية الليبرالية الأمريكية، ففي مجال الاقتصاد ترى النظرية الأوراسية أنه لا توجد حقيقة اقتصادية مطلقة، فلا يمكن تطبيق وصفات الليبرالية مثل السوق الحرة، أو وصفات الماركسية برفضها الملكية الخاصة إلا جزئيًّا، إذ يجب أن يقترن نهج السوق الحرة بالسيطرة على القطاعات الاستيراتيجية للاقتصاد، إلى جانب التحكم في إعادة توزيع الأرباح وفقًا للأهداف الوطنية والاجتماعية للمجتمع ككل، وبذلك تسلك الأوراسية طريقًا ثالثًا وفقًا لمجموعة من المبادئ من ضمنها تبعية الاقتصاد للقيم الروحية الحضارية، ومبدأ التكامل الاقتصادي الكلي وتقسيم العمل، وإلى جانب ذلك ترى الأوراسية أنه لا ينبغي أن تبقى هناك عملة واحدة (الدولار) كعملة احتياطية عالمية للعالم بأسره، بل يجب أن تكون لكل منطقة من مناطق الأقطاب الأربعة عملتها الاحتياطية الخاصة، والتي ستكون العملة الاحتياطية داخل الاتحاد، ولا يجوز استخدام أي عملة أخرى داخل الاتحاد كعملة احتياطية.
وفي مجال الدين فإن الأطلسيين لا يرون سوى الزائل والمؤقت والحاضر، متجاهلين الماضي والمستقبل، بينما الأوراسيون يجمعون بين الثقة العميقة والصادقة في الماضي مع الموقف المنفتح تجاه المستقبل، ومن ثمَّ فإنهم يخلصون للتقاليد الدينية جنبًا إلى جنب مع البحث الحُر والإبداع، ومن ثمَّ فإن كل تقليد ديني أو نظام إيمان أو لغة أو أسلوب حياة تقليدي عند الشعوب هو إرث للبشرية جمعاء، وثقافتهم ثروة لا تقدر بثمن، وبالتالي تستحق أقصى درجات العناية والاهتمام وليس هجرها ومُعاداتها كما تفعل العولمة، وبناءً على ذلك يجب أن يتمتَّع كل شعب على وجه الأرض بحرية اتخاذ خياراته التاريخية الخاصة بشكل مستقل دون إجباره على التخلِّي عن تفرُّده بالذهاب إلى بوتقة الانهيار العالمية.
ولكي تتم مواجهة العولمة، يجب أن ندرك أن الحضارة الأطلسية الغربية ليست مجرد نظرية، إذ تشمل الناتو، والإمكانات الاقتصادية لمعظم البلدان المتقدمة، ووسائل الإعلام العالمية الخاضعة لهم، والمنظمات الدولية، وشبكات مراكز الفكر التي تقدم لهم الدعم الأيديولوجي، وعددًا لا يحصى من أصحاب النفوذ، التي تقوم على تقوية العالم أحادي القطب، وبناءً على ذلك يجب على الأوراسية أن تقوم بتطوير هيكل موازٍ لتوحيد خصوم العولمة، لإنشاء أساس مشترك للنضال ومحاولة إنشاء مستقبل عادل ومتعدِّد الأقطاب.
الفكرة من كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
يعرض ألكسندر دوغين في هذا الكتاب أطروحته الفلسفية السياسية المُعادية لليبرالية وللنُّظم الغربية وللحضارات الأطلسية الممثَّلة في (أمريكا وبريطانيا)، ويُطلق على هذه الأطروحة اسم (الأوراسية)، وهي حركة ثقافية نشأت في روسيا، وشاعت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، لا تدَّعي هذه الفلسفة عالميتها وقطبيتها الوحيدة، كما أنها لا تفرض نفسها على الثقافات الأخرى مثلما فعلت الليبرالية طوال القرن العشرين والقرن الحالي، وتُعزِّز الأطروحة الأوراسية بما يُطلق عليه دوغين “النظرية السياسية الرابعة”، وهي بديل عن النظريات الثلاث: “الليبرالية” و”الشيوعية” و”الفاشية”.
مؤلف كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
ألكسندر دوغين: يُعد من أهم الفلاسفة والمفكرين الروس المعاصرين، ويعتبره البعض عقل بوتين، هو مُحلل سياسي واستراتيجي، صاحب النظرية السياسية الرابعة والنظرية الأوراسية، من كتبه المترجمة إلى اللغة العربية:
أسس الجيوبوليتيكا.. مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي.
الخلاص من الغرب.. الأوراسية.
معلومات عن المترجم:
علي بدر: هو روائي وكاتب ومترجم عراقي، من رواياته:
بابا سارتر.
شتاء العائلة.
مصابيح أورشليم.
حارس التبغ.
الكاذبون يحصلون على كل شيء.
ومن ترجماته:
الإنسان الإله لـ”يوفال نوح هراري”.