التعددية الدينية وتعارض العلم مع التدخل الإلهي في الكون
التعددية الدينية وتعارض العلم مع التدخل الإلهي في الكون
يُعد دليل التعددية الدينية الذي روّج له “فيليب كيتشر” من الحجج التي يعتمد عليها غير المؤمنين في نقد الإيمان الما ورائي بشكل عام والإيمان بالله بشكل خاص، وتقول هذه الحجة: إن هناك كثيرًا من العقائد الإيمانية الماورائية غير المتوافقة بعضها مع بعض، فاليهودية والمسيحية والإسلام والهندوسية وغيرها من الأديان لا تتفق في ما بينها، ويبطل كل واحد منهم جميع من يخالفه، وإن معظم المؤمنين مؤمنون بالوراثة، فأنت الآن مسلم، لكنك لو نشأت في الصين منذ الصغر فلم تكن لتنشأ على الإسلام بكل تأكيد، ومن ثمَّ فإن صحة الأديان محل شك، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تعدد الأديان دليل على بطلانها؟ الإجابة بكل تأكيد لا، لأن التعددية تشمل كل شيء في الحياة بما فيها الآراء الفلسفية والنظريات العلمية، ومن ثمَّ فإن من يقول ببطلان جميع الأديان بسبب التعددية لا يسلم من الحكم على قوله بالبطلان أيضًا، وبناءً على ذلك فإن دليل تعددية الأديان لا يستقر على أساس صلب، إذ يحمل في ذاته معاول هدمه!
وفي سياقٍ آخر يعتقد المؤمنون بالأديان السماوية أن الله يتصف بالعلم المطلق، والقدرة المطلقة، والخير المطلق، وأنه خالق هذا الكون البديع، ويحافظ على وجوده من خلال قوانين سنَّها فيه، كما يمتلك حق التصرَّف فيه على خلاف القوانين التي سنَّها وفقًا لعلمه الأزلي عن طريق ما نسميه “المعجزات” كشق البحر لموسى عليه السلام، وإبراء الأكمَه والأبرص وإحياء الموتى على يد المسيح عليه السلام، إضافة إلى الاعتقاد بعدم جريان شيء في هذا الكون دون مشيئته الإلهية، على الجانب الآخر يزعم غير المؤمنين أن هذا الاعتقاد يتعارض مع العلم الحديث، لأن القوانين العلمية لا تعمل إلا في كون مغلق سببيًّا، وتصرُّف الله -عز وجل- في الكون وخلق المعجزات يلزم منه خرقها، ومن ثمَّ لا يؤمنون بتدخل الله في الكون، كما لا يؤمنون بتلك المعجزات العجيبة التي حدثت بالفعل ويعدونها خرافات.
فهل تدخل الإله في الكون يتعارض مع العلم حقًّا؟ الإجابة بكل تأكيد لا، لأن العلم الكلاسيكي والصورة النيوتينية للعالم لا تقول لنا إن القوانين العلمية لا تعمل إلا في كون مغلق سببيًّا، ومن ثمَّ فإن التعارض المزعوم بين العلم والدين هو تعارض سطحي سببه “الرؤية الفلسفية التي يتم من خلالها تفسير العالم”، وليس العلم نفسه.
الفكرة من كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
بدأ الصراع الحقيقي بين العلم والدين في منتصف القرن التاسع عشر في مجال علم الأحياء، وبالتحديد حول نظرية التطور التي وضعها دارون، ومنذ تلك اللحظة يرى كثير من المؤمنين بالإله أنها نظرية تتعارض مع الاعتقاد الديني الخاص بأصل الجنس البشري، كما أن كثيرًا من الدارونيين يوافقونهم على ذلك من منطلق أن التطور الدارويني لا يتفق مع الإيمان بالله مطلقًا، وبناءً على هذا الادعاء الذي تبناه لاحقًا كل من ريتشارد دوكنز ودانيال دينيت، أصبح الكثيرون يقرون بالتعارض بين العلم والدين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يتعارض العلم حقًّا مع الدين؟ يجيبنا المؤلف بأن التعارض المزعوم هو تعارض سطحي ناتج عن الميتافيزيقا المتضمنة في العلم وليست منه، ويبين ذلك من خلال عرض القضايا محل النزاع والرد عليها بأسلوب منطقي علمي رصين.
مؤلف كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
ألفن بلانتنجا: هو واحد من أشهر الفلاسفة المدافعين عن الدين ضد الإلحاد، درس بجامعة هارفارد، ونال درجة الدكتوراه من جامعة ييل، وهو زميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وحصل على جائزة نيكولاس ريشر للفلسفة المنهجية عن بحث بعنوان “الدين والعلم.. أين يكمن التعارض حقًّا”، من مؤلفاته:
God, freedom and evil.
God and Other Minds.
Knowledge of God.
Does God have a nature?
معلومات عن المترجم:
يوسف العتيبي: هو مترجم متخصص في ترجمة الكتب والمقالات الفلسفية.