التعايش مع الألم
التعايش مع الألم
الفرق بين الخوف والألم أنه من الممكن أن تتقاسم مشاعر الخوف مع غيرك وتعبِّر عنها فيساعدك بسهولة، أما الألم فهو ساكن الجسد ولا تستطيع اقتسامه فتبرأ منه، فهو يجعلك في عزلة وتصبح شخصًا آخر غيرك أنت، وتزهد في علاقاتك مع البشر وتنكمش على نفسك في وحدة، ومن مرارة الألم أنه مهما كان حولك من محبين يحاولون الشعور بك، فهم في الحقيقة لا يشعرون بألمك لأنهم ليسوا في مكانك، مهما أبدوا لك من حزن، لكنهم يستطيعون بالكاد التخفيف عنك، ومن آثار الألم المؤسفة أنه يجعل المُتألم فاقدًا طاقة الشفقة تجاه الآخرين.
لكل داءٍ دواء، وأول دواء لأي داء هو مقاومته، ولكي تقاوم عزلتك عليك التفلُّت منها قدر المستطاع لتلحق برَكب الحياة، وتحاول مقاسمة آلامك مع المُقرَّبين منك بما تستطيع من الشكوى يجب أن تقدم إنذار استغاثة ليساعدك أحدهم، وفي بعض الأحيان فالكلام لا يفيد التخفيف عن المُتألم لكن التلامس الجسدي والعناق بعاطفة يخفِّفان عنه، بل قد يصبح من السهل عليه التحدُّث عن ما به بلغة مفهومة، فحين يصاب المرء بألم فأول من يبحث عنهم هم الأصدقاء ومن يحب وعائلته ولا يريد منهم إلا العطف والاهتمام، فعلى الأقل وجودهم حينها يُذكره أنه ليس حبيسًا وحيدًا في ألم وعذاب أبدي، بل هناك يد حانية تراه وتحاول معه التخلص مما هو فيه.
وهناك من يفقدون أنفسهم ويستسلمون للألم، وآخرون يُقاومون بأنفسهم لينجوا، فينغمسون في مساعدة الآخرين والعمل، فكلاهما عاملان مهمان لاستمرارية الحياة لأي إنسان، كما أن الوعي الذاتي والثقافة انعلى التخطِّي وفهم الذات لتبدأ مرحلة من مراحل العلاج، فأصبح هناك أطباء لكل مرض حتى النفسي وبدائل الطب وعلاج لحالات الاكتئاب المزمن، وتعدَّدت الطرق الحديثة للتحكُّم في الألم مثل الاسترخاء واليوغا والتفكُّر وعلم تخفيف الألم والتنويم المغناطيسي وتقنية الإلهاء وتغيير المعنى، والأنشطة الرياضية مثل المشي والركض وركوب الدراجات وغيرها، وأيضًا اللقاءات العائلية والأصدقاء، كل هذا يساعد الشخص على تجديد نشاطه وقدرته على تحمل الألم والخروج من عزلته.
الفكرة من كتاب تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث
هذا الكتاب امتداد لكتاب أنثروبولوجيا الألم لمؤلفنا دافيد لوبروطون، ويعرض فيه الجانب الاجتماعي والثقافي للألم، وهنا يعرض لنا تجربة فريدة من نوعها في علم النفس، وهي تجربة الألم وكيفية التعايش معه والتعبير عنه وعلاقته بالعذاب واللذة عند الإنسان، وظهور فئة تستمد المتعة بالألم مثل حركة السادومازوشية وغيرها، فالألم هو شعور بشري يُصيب الإنسان لأسباب متعددة، منها الألم الجسدي مثل الصداع أو أوجاع مرض ما، والألم النفسي نتيجة فقد عزيز، أو بسبب خسارة ما أصابتك بألم الحزن، وهكذا، وهناك ألم بهدف اللذة، وهناك ارتباط بين الشعور بالألم والعذاب، فهو إحساس يصيب الجميع دون مفر، وقد يكون عابرًا أو مُلازمًا للشخص، وهو ضريبة ملازمة للوجود الإنساني والجسدي للبشر.
مؤلف كتاب تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث
دافيد لوبروطون: أنثروبولوجي وعالم اجتماع فرنسي، أستاذ بجامعة ستراسبورغ، وعضو في المعهد الجامعي الفرنسي، وباحث في مختبر الديناميات الأوروبي، وهو متخصِّص في تمثيل الجسم البشري ووضعه في الاعتبار، وقد درسه بشكل خاص من خلال تحليل السلوك المحفوف بالمخاطر، وله أبحاث مهمة في حقل العلوم الاجتماعية المعاصرة، وله اهتمامات جانبية نادرة، من بينها بحثه في كتابنا هذا “تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث”.
وله عدة كتب منها: “الصمت لغة المعنى والوجود”، و”أنثروبولوجيا الحواس: العالم بمذاقات حسية”، و”أنثروبولوجيا الألم”، و”سوسيولوجيا الجسد”، و”أنثروبولوجيا الجسد والحداثة”، وغيرها.
معلومات عن المُترجم:
فريد الزاهي: كاتب ومترجم وناقد فني مغربي، حصل على شهادة الإجازة في الفلسفة وعلم النفس، ثم على شهادة الدراسات المعمَّقة في الأدب المقارن، كما حاز دكتوراه السلك الثالث في الدراسات والحضارات الإسلامية من السوربون.
وله عدة مؤلفات منها: “الجسد والصورة والمقدس في الإسلام”، و”العين والمرآة”، وغيرهما، كما له عدة ترجمات، ومنها: “الصمت – لغة المعنى والوجود”، لدافيد لوبروتون”، و”كيف نحلم؟”، لإيزابيل أرنواف”، و”السحر والدين في أفريقيا الشمالية”، لإدمون دوطي، و”هل يمكن تعديل الدماغ؟” لكريستيان مارينداز، وغيرها.