التعافي من الإساءات
التعافي من الإساءات
لا يساعد الزمن على التجاوز ما لم يُصاحبه الوعي بما يؤرِّقك، ولا يمكن الخروج وتجاوز اضطرابات علاقاتك والفرار من مشاعرك إلا من خلال عبورها أولًا، فبوابة الفرج توجد بحافة الحزن الذي تخشى أن يُصيبك، وحدود الأمان تتقاطع مع بلدان الخوف، ومشاعرك المكبوتة المعزولة هي نفسها التي ستطلق سراحك وليس الفرار من الحديث عنها.
ويمر الناجون من إساءات الطفولة المتعلقة بسوء معاملة الوالدين بالعديد من المراحل للتعافي، ولكل مرحلة منها خصائصها المتميزة، وأولى هذه المراحل هي الإنكار؛ حيث يتخير المرء من طفولته الأحداث الجيدة فقط، ويلغي كل الإساءات الحادثة لتبقى الصفحة بيضاء، ويُعلن دائمًا أن طفولته كانت مثالية، وأن أبويه كانا خير أبوين، إلى أن يصدق ادعاءاته هذه، وينسب الخلل إلى نفسه، وأنه كان يستحق كل هذا، وأيضًا من أشكال الإنكار أيضًا استغلال بعض النجاحات التي تم تحقيقها، وربطها بالإساءة كارتباط نسبي، وبالأخص الإساءات التربوية يتم ربطها دائمًا من منطلق الرغبة في التقويم التربوي، ومحاولة صنع شخص سليم أخلاقيًّا.
ومن ثم تأتي مرحلة الغضب؛ وتسقط فيها المبررات، وتُزال حجج الإنكار، وتصبح الإساءة واضحة، ويطفو الغضب على السطح إلى أن يصل ناحية المصدر الحقيقي، ولا تصبح قادرًا على ابتلاع فكرة بر الوالدين، وأيًّا كان ما ستقوم به في هذه المرحلة فهو مقدَّر ومقبول ومتناسب مع ما تعرَّضت له، ولم تَعُد الطفل الذي تحركه ألاعيب الابتزاز العاطفي: “هاموت غضبان عليك”.
ويترتَّب على هذا الغضب مرور المؤذي بمرحلتين؛ مرحلة داخلية وهي “استعادة الذات، ومرحلة تتعلق بالخارج وهي “وضع الحدود”، وتحدث هاتان المرحلتان بالتوازي أو بالتعاقب، وفي مرحلة استعادة الذات يبدأ التركيز على الحل لا على المشكلة، وعدم الاكتفاء بالشكاوى، وتوازيها المرحلة الأخرى “وضع الحدود” وأهم ما يحدث فيها هو منع التعرُّض للمزيد من الإساءات، والتركيز على الأمان النفسي، وينبغي أن تعرف أن ردة الفعل تجاه وضع الحدود تمر بمرحلتين؛ أولاها إعلاء سقف الإيذاء والصدام أكثر كمحاولة لمعاودة الانصياع، ومن ثم تأتي المرحلة الثانية وستجد فيها من حولك يتكيفون على حدودك، ويحترمون تفرُّدك.
الفكرة من كتاب أبي الذي أكره.. تأمُّلات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة
الآباء الجيدون يرتكبون أشياء سيئة، والأمهات الجيدات بما يكفي يرتكبن الأخطاء، لكن يتحدث الكاتب هنا عن العائلات التي ترجح فيها كفة الإيذاء عن العناية، والخطأ عن الصواب، فيبدأ كلامه بذكر أنواع الإساءة التي قد يتعرض لها الناس خلال رحلة حياتهم من خلال والديهم، وينهي كلامه بعرض خطوة التعافي من تلك الإساءات، والبحث عن الشفاء.
مؤلف كتاب أبي الذي أكره.. تأمُّلات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة
الدكتور عماد رشاد عثمان: طبيب بشري من الإسكندرية، كاتب وباحث ملتحق بدرجة ماجستير أمراض المخ والأعصاب، والطب النفسي بكلية الطب جامعة الإسكندرية، له العديد من المؤلفات، ومنها:
رواية “اقتحام”.
أحببت وغْدًا.