التعاطف مع الذات
التعاطف مع الذات
إن من أخطر وأهم تطبيقات التواصل غير العنيف الطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا، ففي البداية يجب أن نُدرك جيِّدًا السبب الخفي والمهم في كوننا “بشرًا”، أن نُدرك حقيقة كياناتنا المتميزة، ومن خلال هذا الإدراك حين نرتكب أخطاء، يمكننا أن نستخدم عمليتي الرثاء ومسامحة النفس، وذلك لأننا نتغيَّر نتيجة رغبتنا في إثراء وتعميق الحياة من أجلنا ومن أجل الآخرين، لا عن دوافع هدَّامة، كالخجل والشعور بالذنب، فنتطوَّر وننمو ولا نقع في مصيدة الأحكام الذاتية، ومن خلال تقييمنا لسلوكنا على أساس احتياجاتنا الخاصة التي لم تُلبَّ نستطيع تجاوز أخطائنا ومُسامحة نفوسنا وتقبُّل ضعفها، فهي تجربة “ندم” نعم، لكنه الندم الذي يساعد على التعلُّم مما فعلناه، وذلك لأن أنفسنا هي الأحوج في أن نتعاطف معها، أن ننتبه إلى احتياجاتها، أن نمنحها قدرًا من الاهتمام والاحترام.
ولتعزيز تعاطفنا مع ذاتنا لا بدَّ أن نختار بصورة واعية في حياتنا اليومية ما يخدم احتياجاتنا وقيمنا، وألا تكون تصرفاتنا مفروضة علينا بحكم الواجب، أو من أجل رغبة الحصول على مُكآفات خارجية، أو لتجنُّب الشعور بالذنب، ولو أننا راجعنا أفعالنا الخالية من البهجة والتي نعرِّض أنفسنا لها الآن، وقمنا بإجراء التحول من “يجب أن” إلى “اخترتُ أن”، سوف نكتشف مزيدًا من البهجة والتكامل في حياتنا، وذلك من خلال عدد من الخطوات أولاها أن تقوم بعمل قائمة بكل تلك الأشياء التي تخبر نفسك بأن من الواجب عليك فعلها، والخطوة الثانية أن تؤكد لنفسك بكل وضوح أنك تفعل هذه الأشياء لأنك “تختار” فعلها، لا لأنه “يجب” عليك فعلها، والخطوة الثالثة أن تحاول الوصول إلى الهدف وراء هذا الاختيار بأن تكمل العبارة “أختار أن أفعل كذا، لأنني أريد كذا”.
وبعد الانتهاء نُلاحظ حقيقة دوافعنا، هل من أجل المال، أم من أجل نيل الاستحسان أم لتجنُّب العقاب، أم لتجنُّب الشعور بالذنب؟ وغيرها من القيم والمعايير، وذلك لإعادة صياغتها أو لإلغائها على حسب دورها في حياتنا حقًّا.
الفكرة من كتاب التواصل غير العنيف
في أغلب الأوقات لا نعترف بالعنف الذي بداخلنا لأننا نجهل صورته الحقيقية، فالعنف بالنسبة إلينا يقتصر على الشجار والقتل والضرب، وهذه أشياء لا يفعلها الأشخاص العاديون، لكن بالنظر الدقيق نلاحظ أن العنف لا يقتصر على الأجساد والماديات فحسب، بل إنه أوسع من ذلك.
ونحن نسأل أنفسنا: كيف يُمكننا تربية نفوسنا على الحب والتفاهم والتقدير دون تكلُّف أو ضغط؟ وهل حقًّا حتى نستطيع النجاة في هذا العالم القاسي لا بدَّ أن نصبح قُساة أيضًا؟ ولكن هذا العالم هو الذي صنعناه، فلو أننا غيَّرنا أنفسنا، وغيَّرنا أساليبنا ولغتنا، سنخلق عالمًا تسوده الرحمة والتعاطف، وهذا ما يُقدِّمه لنا هذا الكتاب، فمن خلاله يُبيّن لنا الكاتب كيف يمكن تجاوز كل الأمور التي قد تتسبَّب في خلق حالة العنف التي نخسر أمامها الكثير.
مؤلف كتاب التواصل غير العنيف
مارشال بي. روزنبرج Marshall B. Rosenberg: كاتب وعالم نفس أمريكي، حصل على الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي من جامعة ويسكنسون، وهو مؤسس ومُدير الخدمات التعليمية بمركز التواصل غير العنيف، وهي مؤسسة دولية لصنع السلام، حاز جائزة جسر السلام، وجائزة Light of God expressing award الدولية، كما أنه درَّس التواصل غير العنيف في مئات المجتمعات والمؤتمرات، وفي أكثر الدول فقرًا وتمزقًّا بسبب الحروب.
من أهم كتبه وأعماله:
Being Me, Loving You
Speak Peace in a World of Conflict
Raising Children Compassionately
The Surprising Purpose of Anger