التطهير قديمًا وحديثًا
التطهير قديمًا وحديثًا
عملية التحرير الشعوري تُثير مفهوم التطهير الذي يُعرَّف بأنه ارتياح يأتي بعد حالة حادة من التوتر، وكان التطهير في السابق موجهًا لتفريغ المشاعر والتخلُّص منها باعتبارها سمًّا، كنوع من ضمان سيادة الإنسان المفكر على الإنسان العاطفي، أما حاليًّا فيتم التعامل مع المشاعر كثورة، والنشاط التطهيري يسمح لها بالظهور لا بهدف التخلُّص منها، وإنما بهدف الاستمتاع بها إلى أقصى حد، فالهدف إذن ليس هو التحرُّر من المشاعر، وإنما تحريرها.
ماذا يخبرنا العلم عن المشاعر؟ بدايةً من سنوات الخمسينيات والستينيات، لم يهتم علم النفس الأكاديمي بالمشاعر، وكان يتناولها من منظور اختزالي، إذ يرى أنه يجب أن تكون للمشاعر غاية عملية، وفي كتاب (الحصان داخل القاطرة) (لآرثر كوستلر) الصادر في عام (ألف وتسعمائة وسبعة وستين) 1967، يرى كاتبه أن بداخل كلٍّ منا حصانًا عنيدًا، مباغتًا، مستعدًّا للهيجان، وما يميز الصورة القديمة للإنسان هي رؤية المشاعر على أنها واقع خطير، حيث حدثت تجاوزات مشاعرية في التاريخ جعلت (كوستلر) مثلًا يقترح العلاجات ويقول: “الخلل البيولوجي الوظيفي يتطلَّب مصحِّحًا بيولوجيًّا”، وكان الحلم الكبير لسنوات الخمسينيات والستينيات أن يكون هناك مجتمع مبرمج، منظَّم ومعقلن، وهي أفكار ما قبل ظهور عبادة المشاعر.
وفي عام (ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين) 1973، نشر (إدكار مورن) كتابه (الجذور المفقودة: الطبيعة الإنسانية)، فكان تتويجًا له كأب مؤسِّس لعبادة المشاعر، تدور أفكاره حول أن الإنسان لا يمكن أن يكون (سابيانس) أي (عاقلًا) بحق إن لم يكن في الوقت نفسه (دمانس) أي (مجنون)، فالتفكير فقد مكانته في الأنثروبوجيا الجديدة المقترحة من طرف (إدكار مورين)، إذ لا شيء عظيم يمكن أن يتحقَّق دون مشاعر، والأفكار العظيمة تنبع من القلب، كما أن المشاعر هي أساس الوعي بالذات.
الفكرة من كتاب عبادة المشاعر
إلى أي مدى تتحكَّم المشاعر في حياة الإنسان المعاصر؟ وإلى أي حدٍّ صارت المشاعر مقدَّسة وتتَّخذ شكلًا من أشكال العبادة؟!
سنتحدَّث في كتابنا هذا عن عصر المشاعر، تحديدًا عن ظاهرة “عبادة المشاعر”، ونحللها تحليلًا نفسيًّا فلسفيًّا، ونعرض قضية تفضيل الإنسان المعاصر مشاعرَ الصدمة، أو المشاعر المتهيِّجة، في مقابل مشاعر التأمل والخشوع، وتفضيل الإنسان المعاصر لحالة الصخب على حالة الهدوء التي فضَّلها الإنسان فيما سبق!
مؤلف كتاب عبادة المشاعر
ميشيل لكروا : فيلسوف وكاتب فرنسي مُعاصر، وُلِدَ في 14 ديسمبر عام 1946م، حاصل على دكتوراه دولة، وهو محاضر فخري في جامعة سيرجي بونتواز، ونال جائزة الفلسفة من الأكاديمية النفسية، وجائزة علم النفس عام 2009م عن بحثه “من أجل حياة أفضل”.
له العديد من المؤلَّفات، منها: “في آداب السلوك” الصادر في عام 1990م، والذي نال عنه جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية، و”من أجل أخلاق كونيَّة” عام 1994م و”إيديولوجيا العصر الحديث”، و”أخلاق الأمان”.