التشريح التاريخي للصهيونية
التشريح التاريخي للصهيونية
بدأت إرهاصات الفكرة الصهيونية في بدايتها كفكرة غربية – وليست يهودية – خلال القرن السادس عشر حيث ظهرت في بعض كتابات الساسة والمفكرين، وكان ما يعرف بالإصلاح الديني والانقلاب التجاري وظهور الرأسمالية التجارية وما صاحبها من كشوفات جغرافية سببًا في إذكاء تلك الإرهاصات، ولكنها لم تعدُ كونها مجرد فكرة عائمة، إلى أن جاء القرن التاسع عشر وقامت الثورة الصناعية “الرأسمالية الصناعية” وما نتج عن ذلك من تراكم لرؤوس الأموال وتنامي النزعة الاستعمارية مع غروب شمس الدولة العثمانية في ذلك الوقت، كل ذلك أسهم في تغيير النظرة السياسية لدور اليهود رأسًا على عقب! بذلك بدأت تتبلور الفكرة الصهيونية وبدأ العمل على توظيف اليهود لخدمة المشروع الاستعماري وتحويلهم إلى عملاء.
من هنا تلقَّف اليهود الفكرة، لكن تعدَّدت أفكارهم نحو تحقيقها نتيجة تعدُّد مشاربهم، لكن المشترك بينهم أن قرار فرض الصهيونية كواقع عملي كان قد اتُّخذ بالفعل فلم تعد الفكرة من قبيل الترف الفكري، ومن هنا ظهر دور “هرتزل” الأب الروحي لما يسمى بالدولة اليهودية، فهو وإن لم يكن أول من أخرج الفكرة الصهيونية للوجود لكنه كان أول من رأى حتمية دور المشروع الاستعماري الغربي لتحقيقها خلال مؤتمر “بازل” في سويسرا، الذي تمخَّضت عنه الديباجة الأساسية للمشروع الصهيوني الوليد.
ورغم معارضة أثرياء اليهود في بادئ الأمر فقد تبدَّلت الأحوال بعد الحرب العالمية الأولى وبعد اختفاء الدولة العثمانية كقوة سياسية من على الساحة العالمية، ما شجَّع بريطانيا على إصدار وعدها الشهير “وعد بلفور”، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتقلَّد الولايات المتحدة عرش المشروع الإمبريالي بلا منازع بالإضافة إلى تركز اليهود على نحو كبير في أمريكا انتقلت حضانة المشروع الصهيوني الوليد من بريطانيا إلى أمريكا، وكان ذلك سببًا في زرع جرثومة الصهيونية في الجسد العربي بصورة رسمية عام 1948، ورغم كل الحروب التي خاضتها الدول العربية لم تنجح إلى الآن في اقتلاع جذور تلك الشجرة الخبيثة من الأرض العربية.
الفكرة من كتاب مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي
“السياسة لا تعرف الأصدقاء الدائمين، ولا حتى الأعداء الدائمين، ولكن فقط تعرف المصالح الدائمة”!
يعد هذا الكتاب تشريحًا للعقلية الإمبريالية الغربية، كما يعد في الوقت ذاته سجلًّا يتناول الجذور التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي ويحلِّل المعطيات والأسباب والنتائج التي أسهمت في نشأة الحركة الصهيونية، كما يتعرَّض بالنقد للمبادئ الحاكمة للمسألة اليهودية، ويلقي الضوء على سياسات الدول العظمى وكيف تتم صياغة العلاقات بين الدول.
مؤلف كتاب مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي
عبد الوهاب المسيري: كاتب ومفكر عربي، وُلد في دمنهور 1938، حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا)، ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers ، كما عمل أستاذًا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، ومستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979)، تُوفِّي فجر يوم الخميس الموافق 3 يوليو/تموز 2008 بمستشفى فلسطين بالقاهرة عن عمر ناهز السبعين عامًا بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
ومن أهم أعماله: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات)، ورحلتي الفكرية.. سيرة غير ذاتية غير موضوعية، وفي البذور والجذور والثمار، والعلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (جزءان).