التزكية.. تخلية وتحلية
التزكية.. تخلية وتحلية
التزكية مفهوم قرآني، موضوعه الإنسان المستخلف جسدًا وروحًا وعقلًا، ودوره في إصلاح نفسه، والجماعة والأمة التي ينتمي إليها، والنفس الإنسانية -والمجتمعات والأمم معها- تنحصر بين معنى التزكية ونقيضها التدسية، فإما تزكية للنفس بالعبد عما يغضب الله (سبحانه وتعالى) من الآثام والمعاصي، والإكثار مما يرضي الله من الأعمال الصالحة، وإما تدسية بحرمان النفس البشرية من كل ما يطهرها، ويجعلها تترقى في المراتب، ونفس المسلم الحي ينبغي أن تقع بين النفس اللوامة التي لا ترضى عن قبيح فعلها، وتتبعه الاستغفار، والنفس المطمئنة التي تطمئن بذكر الله تعالى.
فالتزكية إذًا وسيلة الإنسان للفلاح في الدنيا والآخرة، وتشمل التزكية أيضًا؛ تزكية للمال، فتنميه وتزيد بركته، وتخلِّص نفس صاحبه مما يعتريها من البخل، كما تجعله يؤدي وظيفته المجتمعية، فيضمن التكافل والتعاضد بين أفراد المجتمع دون تحاسد أو تباغض، كما تشمل تزكية للجسم، ولكل مكون من مكوناته، فاليد لها تزكية بألا تتحرَّك إلا في العطاء والخير والدفاع عن الحق، وألا تأكل إلا بالمعروف، وللقدم تزكية، بألا تسعى إلا في أبواب الخير، كما للعين تزكية، بألا تنظر إلى ما حرم الله، وأن تتأمل في ملكوت السماوات والأرض، وكذلك للأذن وللبطن وللسان تزكية، على المسلم أن يحققها قولًا وفعلًا.
وكل معاني التزكية، في كل مقومات النفس الإنسانية فكرًا وعقلًا وجسدًا، تنحصر بين لفظتي التخلية والتحلية حسب المعاني الصوفية؛ فالتخلية هي تخليص للنفس الإنسانية من كل أمراضها وسلبيتها، ومن كل ما نهى الله عنه، والتحلية هي ملء هذا الفراغ بكل ما هو حسن جميل، وكل ما أمر الله به.
الفكرة من كتاب منظومة القيم العليا
الحياة من دون قيم ليست حياة، فهي حياة بلا غاية أو هدف يوجِّه سلوك الإنسان فيها، والإسلام أكثر ما عالج هذه القضية، فجاء ليضع مجموعة من القيم والمبادئ التي يمكنها أن تنظِّم حياة البشر أفرادًا وجماعات، وتضمن لهم السعادة في الدارين، ولما كان أول ركن في الإسلام هو الشهادة كانت القيمة الأولى في الإسلام هي التوحيد، وهي القيمة التي تنبثق عنها كل القيم وتعمل تحت مظلتها، ويقترح هذا الكتاب إلى جانب التوحيد قيمتي التزكية والعمران، ليشكِّلوا معًا منظومة متكاملة مترابطة، تكون بمثابة البوصلة التي من أجلها وعلى أساسها يتحرك المسلم في حياته.
مؤلف كتاب منظومة القيم العليا
فتحي حسن ملكاوي: مفكر إسلامي، متخصِّص في العلوم التربوية، ينتمي بفكره وجهده البحثي إلى مدرسة إسلامية المعرفة، ومؤسسة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، حيث يعمل حاليًّا مديرًا إقليميًّا في المعهد، بالإضافة إلى كونه عضوًا بمجمع اللغة العربية بالأردن.
شارك ملكاوي في تأليف العديد من المقرَّرات والكتب المدرسية والجامعية، كما أن له عدة مؤلفات في موضوعات إسلامية وتربوية مختلفة منها: منهجية التكامل المعرفي: مقدمات في المنهجية الإسلامية، والفن في الفكر الإسلامي: رؤية معرفية ومنهجية، ومشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي، بالإضافة إلى الكثير من المقالات والدراسات التي نُشر معظمها في دورية إسلامية المعرفة: مجلة الفكر الإسلامي المعاصر.