التربية والتعليم أداة لفرض الانضباط
التربية والتعليم أداة لفرض الانضباط
كان الغرض الرئيس من تطوير التعليم واستيراد نماذج المدارس الأوروبية (مدرسة لانكستر ومدرسة باريس) في عهد محمد علي، تزويد الجيش بأفراد مؤهلين ذوي تعليم جيد ومؤهلات تناسب التطوير الحديث للجيش، وهذا ما يفسِّر نمط التعليم الذي تم استيراده من أوروبا؛ فهو نمط عسكري شديد التحكم والضبط، فالمدرسة كانت عسكرية في كل أبعادها، والغرض هو إنتاج أفراد مناسبين لنمط الحياة الجديد الذي يتم فرضه من قبل الدولة.
وإن كانت أهداف محمد علي التوسُّعية وحركة تحديث الجيش قد تراجعت في عهد إسماعيل، إلا أن النظام الجديد ظل قائمًا ومستمرًّا، ويمكن التعبير عن الغرض الجديد الذي أوكل إلى التعليم في كلمات تليماك فينيلون التي ترجمها رفاعة الطهطاوي، حيث يقول: “نحن السادة يجب أن نستولي على رعايانا في شبابهم المبكر، إننا سوف نبدل أذواق وعادات كل الشعب، وسوف نعاود البناء بدءًا بالأسس نفسها ونعلِّم الشعب أن يحيا حياة مقتصدة، بريئة عامرة بالنشاط وفق نمط قوانيننا”، وهكذا تحدَّدت أهداف عملية التعليم ونظامه الذي سيبنيه إسماعيل باشا، وهو تربية الشباب وتنشئتهم على ما يريده السادة أصحاب المال (ملاك الأراضي ورأس المال) والسلطة.
الفكرة من كتاب استعمار مصر
يرى الكاتب أن الدولة الحديثة التي نشأت في مصر على يد محمد علي باشا -وبمعاونة أوروبية (إنجليزية وفرنسية)- إنما نشأت على شكل سجن بانوبتيكوني بالأساس، وسجن البانوبتيكون هذا هو نموذج رسمه الفيلسوف القانوني الإنجليزي جيرمي بنتام؛ وهو عبارة عن “زنازين ذات شبابيك واسعة على شكل حلقة دائرية يتوسَّطها برج مراقبة” تتيح هذه الزنازين للحارس القابع في برج المراقبة أن يرى النزلاء، ولا يمكن للسجين أن يرى الحارس، ومن ثم ومع مرور الوقت يستبطن السجين نظرة الحارس ويشعر دائمًا أنه مراقب، وأن ثمة من يترصَّده.
وعلى هذا يتفق ميتشل مع الفيلسوف الفرنسي فوكو في أن الدولة الحديثة قد بنيت على شكل سجن بانوبتيكوني ضخم، بحيث يصبح الشعب سجين الدولة، والدولة هي الحارس القابع في البرج، ويستلزم بناء هذا السجن عملية تنظيم وتنشئة وتربية اجتماعية واسعة النطاق؛ تعمد إلى تغيير سلوك الشعب ونمط حياته بما يتفق وبناء الدولة الحديثة، وهكذا يتناول هذا الكتاب عملية الهندسة الاجتماعية التي صاحبت بناء الدولة الحديثة التي فتحت الطريق أمام الاستعمار الإنجليزي؛ فإن هذه العملية قد تمت أساسًا بأعين وأيدٍ أوروبية ومباركة باشاوية.
مؤلف كتاب استعمار مصر
تيموثى ميتشل Timothy Mitchell: عالم سياسة بريطاني، وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة نيويورك.
له مؤلفات عديدة منها: “الديمقراطية والدولة في العالم العربي”، و”دراستان حول التراث والحداثة”، و”ديمقراطية الكربون: السلطة السياسية في عصر النفط”.